وواضح من الآية أن هذا المال المبذول، لم يؤته الذي يتزكى جزاء على نعمة سبقت لأحد عنده، أو ابتغاء لأحد يجزيه بها على هذا البذل. لكن من المفسرين فيما نقل الإمام الطبري - من وجهها على خلاف هذا، فتأول الآية: وماله عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها وجزاءها.
وليس الأولى، فصريح النص ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ﴾ لا يأذن بتأويله على قولهم:
وما له عند أحد.
﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾.
القراءة بنصب ابتغاء، هي قراءة الجمهور.
والنصب فيه عندهم، إما على الاستثناء، أو مفعولاً لأجله كما ذهب "الفراء" و"الزمخشري" في الكشاف. ويؤنس إليه غلبة مجئ ابتغاء، مفعولاً لأجله في الآيات التي استعملت هذه الصيغة على النصب.
وأما القراءة بالرفع، فتأولوه فيها على البدل من نعمة، وهي من الصنعة الإعرابية في موضع رفع، وحرف الجر قبلها زائد (البحر المحيط).
والإبتغاء في اللغة، التماس بغية يجتهد في طلبها.
ويكون في الشر بملحظ من البغي والعدوان وتجاوز الحد. ومنه في القرآن الكريم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلهة (التوبة ٤٨، وآل عمران ٧) والعدوان (المؤمنون ٧، والمعارج ٣١)
وابتغاء عرض الحياة الدنيا (النساء ٣٤، والرعد ١٧). ،
ويكون الابتغاء في الخير، بملحظ من الجأب في التماسه والاجتهاد في طلبه، وهو ما يبدو بوضوح في آيات السعي في البر والبحر ابتغاء فضل الله ورزقه:
(النحل ١٤، والإسراء ١٢، ٦٦، والقصص ٧٣، والروم ٢٣، ٤٦، وفاطر ١٢، والجاثية ١٢، والمزمل ٢٠، والجمعة ١٠).
كما يبدو ملحظ الدأب في العبادة، والجهاد، ابتغاء فضل الله ورضوانه في مثل آيات:
﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ (الفتح ٢٩)
﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي﴾ (الممتحنة ١)