أو بالفقر والحرمان، وما يظن معهما من إكرام أو إهانة، ثم التقابل في المصير ما بين عذاب الطاغين المغرورين، ونعيم النفس المطمئنة.
دون أن نتجشم عناء التأويل بما يفخم كل مقسم به ويعظمه، أو نخلط بين التفخيم والتعظيم والتشريف، والحكمة الإلهية في كل ما خلق الخالق، لا فيما أقسم به بالواو فحسب.
وبمثل هذا الأسلوب يبلغ البيان القرآني غايته من الإقناع والإلزام بالحجة. وعلى نحو ما يجلو معاني من الهدى والضلال، والإيمان والكفر، والحق والباطل، بحسيات مدركة من النور والظلمة، يجلو في سورة الفجر، بالضوء والظلمة في درجات متفاوتة، مغاني من الحق والباطل: فالفجر إذ ينبثق نوره فينسخ ظلمة الليل، والهلال إذ يبزغ وليداً إثر المحاق ويمضى رويداً في دحر الظلام، والليل إذ يسرى ما بين بدء الظلمة ومطلع الفجر، كل هذا بيان لافت إلى صراع الحق والباطل، وإلى انبثاق نور الهدى بعد أن غشيت ظلمة ليل طال، ضلت فيه أمم وطغى وأفسدوا في الأرض، مثلما نشهد في الواقع المحسوس مسرى اللسل ما بين إدبار النهار ومطلع الفجر. والقسم بالشفع والوتر في هذه الصورة البيانية، لافت إلى أن التقابل في آيات الفجر وليال عشر والليل إذا يسر، هو موضع التنبه والالتفات. ومن ثم لا نحمل هذه الآيات "ما لم تدل عليه بخبر ولا عقل" كما قال الإمام الطبري، ولا نخبط في متاهات التأويل التي "اضطرب فيها المفسرون"، كما قال الفخر الرازي، وأكثروا حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقع في الشفع والوتر وليال عشر: "وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه" بنص عبارة الزمخشري.
* * *
وشغل المفسرون بالبحس عن جواب القسم فاضطربوا فيه كمثل ما اضطربوا في الفجر وليال عشر والشفع والوتر.
فالزمخشري يذهب إلى أن الجواب محذوف تقديره: لتُعَذَّبنَّ، بدلالة قوله تعالى بعد آيات القسم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.