ثم لم يتفق اصحاب التأويل على بلدة إرم: قال الجمهور - فيما نقل أبو حيان بالبحر - إنما مدينة عظيمة كانت لهم باليمن. وقيل إنها الإسكندرية، أو دمشق، أو ديار ثمود في حضرموت بين الرمال المسماة بالأحقاف، كما حدد النيسابورى في (الغرائب) وقريب منه متا في تفسير جزء عم للشيخ محمد عبده.
وقيل إن الإرم: العلم، يعني بعاد، اهل الأعلام ذات العمار - ذكره الزمخشري في الكشاف.
والأشبه بالصواب عند الإمام الطبري، أن تكون إرم ذات العماذ اسم قبيلة من عاد "ولذلك جاءت القراءة ﴿عَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ بترك إضافة عاد إليها، ولوكانت اسم بلدة أو اسم جد لعاد، لجاءت القراءة بالإضافة".
وكان "ابن الزبير" يقرأ: "بعادِ إرمٍ" على الإضافة والكسر.
وقراءة الجمهور بتنوين عادٍ، فيها عند أبي حيان والرازي وجهان: إن جعلنا إرم اسم قبيلة، كان عطف بيان، وإن جعلناه اسم البلدة أو اإعلام، كان التقدير بعاد إرم، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾.
وفي ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ قالوا إنها تعني أهل القوة والمنعة، وقيل إنها قد تعني أهل الأعمدة والخيام حلا وترحالاً. وقيل كذلك إنها القصور المشيدة والأبراج. وذكر مفسرون أنها مدينة بناها شداد لما سمع بذكر الجنة - نقله أبو حيان.
وتأولوا "التي لم يخلق مثلها في البلاد": إما بطول الأجسام، ثم أبعدوا فحددوا هذا الطول بين اثنى عشر ذراعاً في السماء، كما نقل الطبري، وأربعمائة ذراع كما في الكشاف وتفسير الرازي!
وإما بعظم مدينة بناها شداد بن عاد، وذكروا حكاية خلاصتها أنه كان لعاد ابنان: شداد وشديد، ملكا وقهرا زماناً ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فبدا له أن يبني مثلها، فبنى مدينة إرم في بعض صحارى عدن، وقد استغرق بناؤها ثلثمائة سنة من آخر عمر شداد - والحكاية