﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ (الشعراء ١٢٩)
ومعها آية الهمزة في ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ فيضله الوهم ضلالاً بعيداً، ويعيمه عن حقيقة الدنيا الفانية التي يتهالك على حطامها.
* * *
﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾.
مع الردع والزجر بـ: كلا، يأتي هذا النبذ في الحطمة.
والنبذ في العربية الطرح لما هو هين وحقير، والمنبوذ ولد الزنى، واللقيط الملقى في الطريق. وقبر منبوذ بعيد منعزل. والنبيذة الناقة لا تؤكل من فرط سقمها وهزالها، والأنباذ الأوباش.
والانتباذ التنحي والانسحاب إلى مكان مهجور، ومنه في القرآن آيتا مريم ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾، ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾.
والنبذ في الحرب أن يخرج أحد الفريقين إلى حيث انتحى الآخر وانتبذ، ومنه آية الأنفال ٥٨:
﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾
وكل ما في القرآن من النبذ، غير آيتى مريم والأنفال، هو من الطرح والنفي، عن هوان بامنبوذ على النابذ.
﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ (القلم ٤٩) (والصافات ١٤٥)
﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ (القصص ٤٠) (والذاريات ٤٠)
﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ (البقرة ١٠٠)
وبكل ما في لفظ النبذ من دلالة على الهوان والضياع، يأتي الفعل في الهمزة، مؤكداً باللام والنون المذددة، وعيداً لعابد المال الذي يحتقر الناس ويزدريهم، ويدأب على تجريحهم همزاً ولمزاً.
وقد فسرها الإمام "الطبري" بالقذف.