﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ ١٣.
وهذا يكفي لمح الحس القرآني للدع، بما فيه من قسوة وغلظة وجفاء.
واليتيم الصبي فقد أباه. وقد سبق استقراء آياته في الضحى ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ ولحظنا اقتران اليتيم في هذه الآيات، بالمسكين والأسير (الإنسان، والبلد)، والضال والعائل (الضحى) وجاء اليتامى مع المساكين وابن السبيل في خمس آيات، ومع الرقاب للأرقاء في آيتى (البقرة ١٧٧، النساء ٣٦).
فشهد ذلك بحساسية بالغة الرقة لمكان اليتيم في مجتمع غير متراحم ولا متكافل، مما اقتضى أن يقرر كتاب الإسلام حق اليتيم في المجتمع الإسلامي الصالح، وأن يجعله تالياً لحق الله والرسول وذوي القربي في آيات (الأنفال ٤١، الحشر ٧) ومعهما (البقرة ١٧٧، ٢١٥) وتالياً لعبادة الله والإحسان بالوالدين وبذي القربي في آيتى (البقرة ٨٣، النساء ٣٦).
وفي (سورة الفجر) الوعيد الرهيب لمن لا يكرمون اليتيم.
وهنا في آية (الماعون) يبلغ بالقرآن أن يعد دع اليتيم تكذيباً بالدين:
﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.
والعربية تستعمل الحض في الحث وبعث الحمية، نقلا من الحث الشديد على السير. وقد نقلنا في آية الفجر: ﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ قول الراغب الأصفهاني في (المفردات) إن الحث يكون بسير، بخلاف الحض.
والذي نطمئن إليه من حس العربية، هو مألوف استعمالها للحض في الحمل على ما يكره، ولعل أصل الاستعمال اللغوي من الحضض وهو داء يشفي بعصارة الصبر، أو هو عصارة من أخلاط كريهة كانوا يتداوون بها. وحضوض: اسم جبل في البحر كانت العرب تنفى إليه خلعاءها.
والقرآن الكريم لم يستعمل الحض في آياته الثلاث، إلا في سياقالإنكار لعدم التواصي برعاية المسكين وإطعامه مع اقتران هذا الإنكار بالكفر بالله والتكذيب بالدين: