اللهو عنها والتشاغل بغيرها تضييعها أحياناً وتضييع وقتها أحياناً أخرى. فصح بذلك قول من قال: عنى بذلك ترك وقتها، وقول من قال: عنى تركها".
وأضاف "الزمخشري" إلى هذين الوجهين وجهاً ثالثاً: "أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله - ﷺ - والسلف، ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع وإخبات، ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدرى الواحد منهم كم أنصرف، ولا ما قرأ من السور".
ووقف "الرازي" عند تأويل السهو عن الصلاة بتركها، فأثار فيه مسألتين: "أن يقال إن الله تعالى أثبت لهم الصلاة بقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ وأيضاً فالسهو عن الصلاة بمعنى الترك، لا يكون نفاقاً ولا كفر، فيعود الإشكال....
ثم قال: "ويمكن أن يجاب عن الاعتراض الأول بأنه تعالى حكم عليهم بكونهم مصلين نظراً إلى الصورة، وبأنهم نسوا الصلاة نظراً إلى المعنى كما قال: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ ويجاب عن الاعتراض الثاني بأن النسيان عن الصلاة هو أن يبقى ناسياً لذكر الله".
* * *
ولا نفهم الآبة بمعزل عن الآية التالية لها وقد ارتبطت بها ارتباط الصلة بالموصول:
﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾.
والمراءاة في العربية أن يظهر الإنسلن خلاف ما يبطن. ووجه المفاعلة فيها أنه يرى الناس من ظاهر أمره ما يرونه موضع ثناء. وهي قريبة من النفاق، وإن شاع في المجال الديني تخصيص النفاق بمن يكتم الكفر ويظهر الإسلام. وإطلاق الرياء عاماً في التظاهر بالإيمان وبالصلاح والبر، وإضمار نقيضها.
وهو ما يؤنس إليه استعمال القرآن الكريم للرياء والمراءاة في الآيات الخمس:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ