وقد احترز عدد من المفسرين في تأويل: ﴿يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ من أن تتجه المراءاة إلى إظهار العمل الصالح إذا كان فريضة "لأن الفرائض شعائر الإسلام وتاركها مستحق للعن، فيجل نفي التهمة بالإظهار وإنما المكروه المراءاة بإظهار ما هو تطوع ونافلة" واحترزوا في هذا أيضاً بألا يكون القصد من إظهاره أن يقتدي به.
وأرى السياق في غنى عن مثل هذا الاحتراز، إذ ليس في إظهار فرائض العبادات، ولا في موضع القدوة، مظنة مراءاة توعد بويل.
* * *
ونفرغ بعد هذا لتدبر البيان القرآني لآيات الماعون، فنرى النذير بويل ﴿لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قد أثبت أنهم فعلاً يؤدون الصلاة، ولكنهم ساهون عن صلاتهم غافلون عن كونها قياماً بين يدى الخالق، يكبح غرور الإنسان ويأخذه بالخشوع والتواضع أمام جلال خالقه وعظمته وقدرته، ويرهف نفسه اللوامة، فلا يطيق دع يتيم محتاج إلى العطف والرحمة، أو السكوت على مسكين يضام ويمنع حقه في طعامه.
وصلاة الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، لا يمكن أن تقام عن قلب خاشع وضمير مؤمن، وإنما هي مراءاة وتظاهر بالعبادة والتدين والتقوى، قصداً إلى جلب منفعة أو دفع أذى.
وحين لا تؤدى الصلاة غايتها من النهي عن الفحشاء والمنكر، فإنها تعود بذلط طقوساً شكلية وحركات آلية مجردة عن معناها وحكمتها. والإسلام يرفض هذه الآلية في شعائر الدين، ويتجه بالعبادات إلى أن تكون تهذيباً للنفس ورياضة للضمير وهداية إلى خير الفرد والجماعة.
والذي في آية البر:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ﴾ }


الصفحة التالية
Icon