والنقصان، وكونه ماضياً ومستقبلاً فكيف يكون معدوماً؟ ولا يمكنه - يعني العقل - أن يحكم عليه بالوجود لأن الحاضر غير قابل للقسمة، والماضي والمستقبل معدومان، فكيف يمكن الحكم عليه بالوجود؟
"إن بقية عمر المرء لا قيمة لها، فلو ضيعت ألف سنة، ثم ثبت في اللمحة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد، فعلمت حينئذ أن أشرف الأشياء حياتك في هذه اللمحة. فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم.
"إن الزمان أعلى وأشرف من المكان، فكان القسم بالعصر قسماً بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته.
" إنهم كانوا يضيفون الخسران إلى نوائب الدهر، فكأنه تعالى أقسم على أن الدهر والعصر نعمة حاصلة لا عيب فيها، إنما الخاسر المعيب هو الإنسان.
" إنه تعالى ذكر العصر الذي بمضيه ينتقص عمرك، فإذا لم يكن في مقابلته كسب صار ذلك النقصان عين الخسران. فكأن المعنى: والعصر العجيب أمره حيث يفرح الإنسان بمضيه لظنه أنه وجد الربح، مع أنه هدم لعمره وإنه لفي خسر".
والتفت "ابن القيم" إلى مكان العبرة فيه، قال: "فإن مرور الليل والنهار على تقدير قدرة العزيز العليم، منتظم لمصالح العالم على أكمل ترتيب ونظام، وتعاقبهما مع اعتدالهما تارة وأخذ أحدهما من صاحبه تارة، واختلافهما في الضوء والظلام والحر والبرد، وانتشار الحيوان وسكونه، وانقسام العصر إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات وما دونها، آية من آيات الرب تعالى وبرهان من براهين قدرته وحكمته. فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الإنسان ومحلها، على عاقبة تلك الأفعال وجزائها، ونبه بالمبدأ وهو خلق الزمان والفاعلين وأفعالهم، على المعاد، وأن قدرته كما لم تقصر عن المبدأ لم تقصر عن المعاد".
وأضاف "النيسابوري" من إشارياته: "أن آخر النهار يشبة تخريب العالم وإماتة الأحياء كما أن أول النهار يشبه بعث الأموات وعمارة العالم. وفيه إشارة إلى أن عمر


الصفحة التالية
Icon