مما يتوهمون".
ولا نقف عندما اختلفوا فيه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت فيه الآية. والسياق على ظاهره لا يخص الإنسان بفلان أو بآخر. والتعميم فيه مستفاد صراحة من الإطلاق ثم استثناء ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وهذا الاستثناء ينقطع إذا ما كان الإنسان خاصاً بالمعهودين الذين ذكروهم، وليس فيهم من يخرج بالإستثناء مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
"وإنما استثنى الذين آمنوا من الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع لا بمعنى الواحد" كما قال الإمام الطبري "وللجنس بعامة" كما قال الزمخشر، أو "اسم جنس يعم" كما ذهب أبو حيان، ويوشك أن يكون هذا هو ما اطمأن إليه ابن القيم في (التبيان).
* * *
وبقى أن نتدبر موضع الإنسان هنا، لنلمح سر الدلالة لهذا اللفظ، لا يقوم مقامه هنا لفظ آخر كالناس أو الإنس، على القول بترادفها.
فاستقراء هذه الألفاظ في كل مواضع استعمالها القرآني. يشهد بأن لكل منها ملحظاً خاصاً في الدلالة، إلى جانب الملحظ الدلالي المشترك فيها جميعاً بحكم تقارب مادتها اللغوية في الأصل:
فالناس لعامة الجنس:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات ١٣)
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد ١٧)
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر ٢١)
ويأتي لفظ الإنس في القرآن في ثمانية عشر موضعاً، كلها مع الجن، فشهد ذلك بأن دلالة الإنسية، بما تعني من نقيض الوحشية، هي المتعينة في الإنس.