فيها، وربطها كل منهم لما وهم أو فهم أنه السبب في نزولها. وهذا هو معنى قول علماء القرآن: إن المرويات في أسباب النزول يكثر فيها الوهم.
ونقدر معه أن السببية فيها ليست بمعنى العلية التي لولاها ما نزلت الآية. وأن العبرة في كل حال، بعموم اللفظ المفهوم من صريح نصها، إلا أن يتعين الاعتبار بخصوص السبب الذي نزلت فيه بدليل من صريح النص أو بقرينة بينة.
والأخرى: أن ترتيب النزول موضع اعتبار كذلك، لفهم السياق العام لما نتدبر من آيات القرآن ودلالات ألفاظه وخصائص بيانه في المصحف كله ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
* * *
وبعد وقبل، فإن القضية الكبرى في هذا التفسير، وكل تفسير، هي أنه لا يعني بحال ما، تقديم كلمة يمكن أن تقوم مقام الكلمة القرآنية في سياقها، على وجه المماثلة والترداف، فيهيهات لبشر أن يأتي بآية من مثل هذا القرآن.
التفسير ليس إلا محاولة للفهم على وجه الشرح والتقريب، بالكلمات المفسرة، لا على انها والكلمات القرآنية سواء. ولعل هذا مما حمل المفسرين على الإطالة في الشرح والتكثر في وجوه التأويل للكلمة أو الآية القرآنية، من حيث يتعذر علينا جميعاً الإتيان بكلمة أخرى مماثلة لها، في موضعها من البيان المعجز.
ولست بحيث أجهل أن المدى الذي بلغته في محاولتي، محدود بطاقتي وجهدي.
ويظل المجال مفتوحاً لعطاء أبنائي الصفوة، طلاب الدراسات القرآنية العليا الذين أحظى بصحبتهم في أعرق الجامعات الإسلامية، ويظل مفتوحاً بعدنا لجهد أجيال من العلماء تتاقب على تدبر كتابنا الأكبر فتدرك منه ما فاتنا أن ندركه، وتستشرف لآفاق قصرت محاولتنا عن مدادها.
ويبقى من أسراره ما يفوت ظاقة البشر:
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. صدق الله العظيم.
المغرب
شوال ١٣٩٧ هـ
أكتوبر ١٩٧٧ م