وهذا القول أيضًا غير ضابط ولا حاصر من وجهين:
الأول: ضعف هذا القول ابن الحصار فقال: اتفق الناس على أن "النساء" مدنية وأولها "يأيها الناس" وعلى أن "الحج" مكية وفيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ ١ وقال غيره هذا القول إن أخذ على إطلاقه فيه نظر. فإن سورة البقرة مدنية وفيها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ ٢. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ﴾ ٣ وسورة النساء مدنية وأولها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ ٤. وبهذا يكون هذا القول غير ضابط وغير مطرد.
الثاني: أن هناك آيات كثيرة وسور عديدة ليس فيها نداء بيأيها الناس ولا يأيها الذين آمنوا، وهذا القول لا يشملها فلا يكون ضابطًا ولا حاصرًا.
١ سورة الحج: الآية ٧٧.
٢ سورة البقرة: الآية ٢١.
٣ سورة البقرة: الآية ١٦٨.
٤ الإتقان: السيوطي ج١ ص١٧.
٢ سورة البقرة: الآية ٢١.
٣ سورة البقرة: الآية ١٦٨.
٤ الإتقان: السيوطي ج١ ص١٧.
القول الثالث:
لطائفة اعتبرت الزمان ورأت أن الهجرة هي الحد الفاصل بين المكي والمدني، فما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني وإن نزل في مكة قالوا: "وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فهو من المكي"١.
وهذا التعريف ضابط وحاصر لا تخرج عنه آية من آيات القرآن الكريم وعليه فإن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ ٢. مدنية مع أنها نزلت في عرفات بمكة، بل إن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ ٣. مدنية مع أنها نزلت في جوف الكعبة لأن هاتين الآيتين نزلتا بعد الهجرة عام الفتح.
ونعني بالضوابط خصائص الألفاظ، ونعني بالمميزات خصائص الأسلوب والمعاني والأغرض للسور المكية أو المدنية.
١ البرهان: الزركشي ج١ ص١٨٨.
٢ سورة المائدة: الآية ٣.
٣ سورة النساء: من الآية ٥٨.
٢ سورة المائدة: الآية ٣.
٣ سورة النساء: من الآية ٥٨.