وبهذا ندرك الحكمة من نهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الحزن والضيق مما يمكرون لما لهذا من أثر في إعاقة مسار الدعوة، ولما في أمره بالصبر ونهيه عن الحزن من شد لأزره وتجديد لعزمه.
٤- إخباره بأن الله يعصمه من الناس:
وذلك أنه إذا علم أن ما جرى له قد جرى للأنبياء السابقين من قبله، وأنهم صبروا فوطن نفسه على الصبر واستمر في الدعوة ولم يصبه الهم ولا الحزن، لكنه يخشى أن يقتله قومه قبل أن يتم دعوته وهو الحريص عليهم الرحيم بهم، فأخبره الله بالعصمة من ذلك ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ ١ فكانت هذه البشرى من أعظم الدوافع إلى الاستمرار في الدعوة.
أرأيتم ذلك الرجل الذي يتردد في فعل أمر ما فيجد من يشجعه ويطمئنه بأنه لن يصيبه أي مكروه ولا ضرر وأنه سيكون معه ويأخذ بيده ويشد أزره ولا يزال به حتى يجد الطمأنينة، فكيف إذا كانت البشرى من الله والعصمة من عنده عز شأنه.
ويجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثر هذه البشرى ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ في كثير من الصور والمشاهد:
أ- حين اجتمع صناديد قريش وقبائل العرب عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فخرج من بين صفوفهم وجعل فوق رءوسهم التراب ولم يره أحد٢ ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

١ سورة المائدة: الآية ٦٧.
٢ سيرة ابن هشام، ج١ ص١٢٧، وتفسير ابن كثير ج٣ ص٦٢٠، ودلائل النبوة البيهقي ج٢ ص٤٦٦، ٤٧٠.


الصفحة التالية
Icon