القول الثالث:
إن أول ما نزل سورة الفاتحة. واستدل أصحاب هذا القول بـ:
١- ما رواه البيهقي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لخديجة: "إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرًا" فقالت: "معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر... " الحديث، وفيه أن خديجة قالت لأبي بكر: اذهب مع محمد إلى ورقة فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: "إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربًا في الأرض"، فقال: لا تفعل، فإذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه: يا محمد، قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين" الحديث١.
وقد زعم الزمخشري أن "أكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم"٢ ورد عليه ابن حجر: "والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول"٣ ويعني بالأول صدر سورة اقرأ.
ويرد على أصحاب هذا القول بردود منها:
أ- أن هذا الحديث لا يدل على أن الفاتحة كانت أول ما نزل بل فيه دلالة على أن جبريل خاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- غير مرة وليس فيه نفي بنزول شيء من القرآن في بعضها، فلا يصح الاستدلال بهذا على الأولية.
ب- أن الحديث مرسل فلا يقوى على مناهضة حديث عائشة المرفوع

١ دلائل النبوة: البيهقي ج٢ ص١٥٧، ١٥٨.
٢ تفسير الكشاف: الزمخشري ج٤ ص٢٢٣.
٣ الإتقان: السيوطي ج١ ص٣٢، فتح الباري ٨: ٧١٤.


الصفحة التالية
Icon