هذا الحكم المصطنع وبين حكم البديهة العربية في قوله أول مرة: إنه يعلو وما يعلى وإنه يحطم ما تحته" هذه شهادة أهل اللغة نفسها وهي شهادة خصم والفضل ما شهدت به الأعداء.
وإذا لم تر الهلال فسلم | لأناس رأوه بالأبصار |
فإن قلت: نعم لقد نثرت كنانة الكلام بين يدي وعجمت سهامها، فما وجدت كالقرآن أصلب عودًا، ولقد وردت مناهل القول وتذوقت طعومها فما وجدت كالقرآن أعذب موردًا، وقد آمنت أنه كما وصفتموه غير أن الذي أحس به من ذلك معنى يتجمجم في الصدر لا أحسن تفسيره ولا أملك تعليله، فهل من سبيل إلى عرض شيء من ذلك علينا لتطمئن به قلوبنا ونزداد إيمانًا إلى إيماننا.
قلنا: إن هذا أمر جسيم، ومرام بعيد لا يمكن رسمه في هذه العجالة ولو طالت، ولعلنا نذكر ما يقرب البعيد ويدنيه، ونتحدث عن أمرين:
أولهما: ألفاظه وهي القشرة البادية.
ثانيهما: معانيه وهي اللآلئ الكامنة.
فأول ما يلاقيك من ألفاظه خاصية تأليفه الصوتي في شكله وجوهره.
١- دع القارئ المجود يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله نازلًا بنفسه على هوى القرآن لا بنفس تاليه ثم انتبذ منه مكانًا قصيًّا لا تسمع فيه جرس حروفه ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومداتها وغناتها، ووصلها وسكتها ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وستجد اتساقًا وائتلافًا يسترعي