بقي أن نقول: إنه إذا كان في الآية أكثر من قراءة ولا يمكن كتابتها برسم واحد يحتمل هذه القراءات فإنهم يكتبون كل قراءة في مصحف ليتفق كل رسم مع القراءة التي يقرأ بها.
فمثلًا قوله تعالى: ﴿وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِير﴾ ١ كتبت الكلمتان في المصحف الشامي "وبالزبر وبالكتاب المنير" بزيادة باء في الزبر وباء أخرى في الكتاب. وكتبتا في سائر المصاحف بحذف الباءين.
وفي قوله تعالى: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَار﴾ ٢ كتبت في المصحف المكي "من تحتها" بزيادة "من" وفي بقية المصاحف بدونها.
وفي قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَبا﴾ ٣.
كتبت في المصحف المكي والمدني والشامي "منهما" بالتثنية وفي بقية المصاحف "منها" بالإفراد٤.

١ سورة آل عمران: الآية ١٨٤.
٢ سورة التوبة: الآية ١٠٠.
٣ سورة الكهف: الآية ٣٦.
٤ للدكتور محمد محمد سالم محيسن كتاب "الفتح الرباني في علاقة القراءات بالرسم العثماني" ظهر فيه أثر هذه الفائدة لرسم المصحف. ومنه أخذت بعض الأمثلة.

الفائدة الثانية:
أن في اختلاف الرسم عن النطق حملًا للناس على تلقي القرآن من أفواه القراء والحفاظ وعدم الاعتماد على مجرد القراءة من المصحف.
ولا شك في أهمية حفظ القرآن عن طريق التلقي، وقد كان أعلام حفاظ القرآن الكريم يميزون الحفظ بالتلقي فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "حفظت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة وسبعين سورة"١ وبين عمن
١ صحيح البخاري ج: ٦ ص١٠٢، ومسلم ج٤ ص١٩١٢.


الصفحة التالية
Icon