وقال بهذا الرأي عدد من العلماء كابن خلدون والباقلاني وابن قتيبة وغيرهم.
قال الباقلاني١: "وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئًا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسمًا بعينه دون غيره أوجبه عليهم وترك ما عداه، وقال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجهًا معينًا ولا نهى أحدًا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم الحال" ثم قال: "وإذا كانت خطوط المصاحف وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة، وكان الناس قد أجازوا ذلك وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته وما هو أسهل وأشهر وأولى من غير تأثيم ولا تناكر، علم أنه لم يؤخذ في ذلك على الناس حد محدود مخصوص كما أخذ عليهم في القراءة والأذان، والسبب في ذلك أن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، فكل رسم دال على الكلمة مفيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به على أي صورة كانت.

١ انظر مناهل العرفان: الزرقاني ج١ ص٣٧٣، ٣٧٤، والإبريز: أحمد بن المبارك ص٥٥.

الرأي الراجح:
والذي نراه أن رسم المصحف اصطلاحي وليس بتوقيفي؛ لأن القول بالتوقيف يحتاج إلى دليل وليس ثم دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من أقوال الصحابة على ذلك، ولم يقل به أحد من علماء السلف بل هو لبعض المتأخرين.
وأما ما روي من روايات فهي إما غير صحيحة أو لا تدل على المراد من القول بالتوقيف بل تدل على وجوب التزام الرسم وليس هذا هو موضع الخلاف هنا واحترام الرسم العثماني واستحسانه والتزامه لا يلزم منه القول بأنه توقيفي.


الصفحة التالية
Icon