ولم يترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيلًا فيه حث على حفظ القرآن إلا وأرشد إليه وحث عليه فحفظه عدد كبير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وما زالت المسيرة مستمرة يحفظ المسلمون القرآن في صدورهم، ونجد إقبالا لا يخطر ببال ولا يحلم بمثله أهل كتاب؛ انظروا -إن شئتم- مدارس تحفيظ القرآن العديدة منذ نزول القرآن إلى عصرنا هذا ثم التفتوا يسره، فكم من مدرسة لتحفيظ الإنجيل أو التوراة فلن تجدوا منها شيئًا بل ستجدون قلة القلة تحفظ هذا أو ذاك مما لا يذكر -أبدًا- في مقابل مدارس تحفيظ القرآن تقول المستشرقة لورا فاغليري: إن "في مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبا كلها"١ ويقول جيمي متشيز: "لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظًا"٢.
٢ في رحاب التفسير: عبد الحميد كشك ص٢٨.
٢- اتصال السند:
من المعلوم أن أغلب الذين يتعلمون تلاوة القرآن إنما يتعلمونها عن طريق السماع ولا يكتفون بتعلمه من المصاحف وحدها، ونعلم أن أساتذتهم تلقوه أيضًا بالسماع عن طريق مشايخهم وهكذا لا تنقطع هذه الطريقة إلى أن تصل طبقة التابعين ثم الصحابة ثم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يكون سند القرآن في كل عصر وفي كل حين متصلًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس هذا لكتاب غير القرآن الكريم، فقد شرف الله هذه الأمة باتصال سندها برسولها صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حاتم المظفر: "إن الله تعالى قد أكرم هذه الأمة، وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد موصول، وإنما هو مصحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل، مما جاءهم به أنبياؤهم، وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات١.