وهذا مما يتفق مع ما قاله ابن الهائم (١) :"لا شك أن الغريب يقابله المشهور، وهما أمران نسبيان، فربّ لفظ يكون غريباً عند شخص، مشهوراً عند آخر".
وقد ظهر ذلك واضحاً، في الكتب الأوائل، التي ألفت في الغريب، حيث كان صغر حجمها، وقلة موادها، لافتاً للنظر!
ويتجلى ذلك: في وصف حاجي خليفة (ت١٠٦٧هـ) لكتاب أبي عبيدة (ت٢١٠هـ) في الغريب، حيث أخبر (٢) : أنه جمع كتاباً صغيراً، ثم استدرك قائلاً: "ولم تكن قلته لجهله بغيره، وإنما ذلك لأمرين:
أحدهما: أن كل مبتدئ بشيء لم يُسبق إليه يكون قليلاً ثم يكثر.
والآخر: أن الناس كان فيهم - يومئذ- بقية، وعندهم معرفة، فلم يكن الجهل قد عمّ".
ومن أجل ذلك أقول: إن حركة التأليف في غريب القرآن، قد تطورت تطوراً كبيراً، من بدايتها، إلى عصرنا الحاضر، وسيظهر هذا واضحاً جلياً، عندما نستعرض مؤلفات غريب القرآن.
ولكن السمين الحلبي (ت٧٥٦هـ) لم يفطن إلى هذه الحقيقة العلمية، التي تتعلق بتفاوت نظرات أهل الغريب، إلى الغريب، ولذلك نجده قد أخذ على الراغب الأصفهاني (ت في حدود: ٤٢٥هـ) إغفاله بعض ألفاظ الغريب القرآني، في كتابه: (مفرادات ألفاظ القرآن) حيث قال (السمين الحلبي) (٣) :
(٢) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون - لحاجي خليفة: ٢/١٢٠٣ - نشر دار الفكر: ١٤٠٢هـ/ ١٩٨٢م.
(٣) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ - للسمين الحلبي - تح. محمد باسل عيون السود: ص ٣٨ -ط١ -نشر دار الكتب العلمية ببيروت: ١٤١٧هـ / ١٩٩٦م.