مقدمة في أصول التفسير
التأليف: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل [في عناية الصحابة والتابعين بمعاني القرآن]
يجب أن يعلم أن النبي ﷺ بَيَّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. وقال أنس: كان الرجل إذا قرا البقرة وأل عمران جَلَّ في أعيننا. وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل: ثماني سنين، ذكره مالك.
وذلك أن الله تعالى قال: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩]، وقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢، محمد: ٢٤]، وقال: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: ٦٨]، وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢] وعقل الكلام متضمن لفهمه.