إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلوى فتقول له لا آكل اليوم إلا حلوى، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل١.
اعلم أيها القارئ الكريم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا إذا كان السبب خاصاً واللفظ عاما، فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾. إلى قوله ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (سورة النور ٦-٩.) فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل، هذا هو الرأي الراجح والأصح وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة٢.
أما صيغة سبب النزول فتارة تكون نصا في سبب النزول، وتارة تكون محتملة فتكون نصاً في سبب النزول فيما إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا، أو إذا أتى بفاء تعقيبيه داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما إذا قال "حدث كذا" أو سئل رسول الله ﷺ عن كذا فنزلت الآية، فهاتان صيغتان صريحتان في السببية وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما

١ الاتقان ١/٢٥وما بعدها، المدخل ١/١٣٠، مباحث في علوم القرآن ١/٧٩، وما بعدها.
٢ مباحث في علوم القرآن ١/٨٤، مذكرة الأصول ١/٣٧٢، الشيخ محمد الأمين.


الصفحة التالية
Icon