من عدوهم ولا من فراغ الوقت وهدوء البال ما يمكنهم من الانقطاع لحفظ ذلك الكتاب وعندما اضطروا للهجرة قام اليهود والمنافقون في المدينة بمناوأتهم، ولو نزل جملةً واحدة لوجدت هذه الأمة الأمية-مع ما ينتابها من ظروف صعبة- صعوبةً في حفظ القرآن الكريم فكان من رحمة الله عز وجل أن نزل القرآن مفرقاً لكي يسهل حفظه وفهمه، فكانت الآيات تنزل على النبي محمد ﷺ وكان النبي يعلمها أصحابه فكلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، وتدبروا معانيها، ووقفوا عند أحكامها ١، بل صار الصحابة والتابعون يعلمون من بعدهم بنفس الطريقة فصارت سنة متبعة فعن أبي العالية الرِّياحي٢أنه قال (تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن رسول الله ﷺ كان يأخذه خمساً خمساً) ٣.
وقال عبد الله بن مسعود (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) ٤.
وفي بعض الروايات أن أبا عبد الرحمن السلمي٥قال حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا
٢ اسمه رُفَيْع بن مهران، من رواة الحديث، ثقة كثير الإرسال، التقريب / ٢١٠.
٣ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب فضائل القرآن، في تعليم القرآن كم آية ١٠/٤٦١، وأخرجه أبو نعيم في الحلية ٢/٢١٩، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ١٩٥٩.
٤ المصنف ٣/٣٨٠.
٥ هو عبد الله بن حبيب بن رُبَيِّعَة الكوفي المقرئ، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، التقريب / ٢٩٩.