لاستمروا عليها، ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل١ فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء (لا تشربوا الخمر) لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا قالوا: لا ندع الزنى أبداً) ٢.
والتدرج في تربية هذه الأمة الناشئة علماً وعملاً، فبدأت الآيات تنزل على النبي ﷺ سالكة التدرج في تربية الأمة، فأول ما نزلت الآيات المتعلقة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره والتوحيد وما يتعلق بذلك من أمور العقيدة، بدأت الآيات أولاً بفطامهم عن الشرك والإباحية وإحياء قلوبهم بعقائد التوحيد والجزاء، فإذا اطمأنت قلوبهم بالإيمان وأشربوا حبه انتقل بهم بعد ذلك إلى العبادات فبدأهم بالصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ثم الأمور الأخرى، ولذلك كان مدار الآيات في القسم المكي على إثبات العقائد والفضائل التي لا تختلف باختلاف الشرائع، بخلاف القسم المدني فكان مدار التشريعات فيه على الأحكام العملية وتفصيل ما أجمل قبل ذلك ٣.

١ سور القرآن على أربع أقسام وأنواع فمنها السبع الطوال أولها البقرة، ومنها المئون، والمثاني، والمفصل: ما وَلِيَ المثاني من قصار السور، وسمي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة، انظر الإتقان ١/١٧٩، ١٨٠
٢ أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن ص١٠٨٧ ٤٩٩٣
٣ المدخل لدراسة القرآن ٧٤.


الصفحة التالية
Icon