الرازي كلاماً نفيساً حول هذا الموضوع، قال (وكان عليه الصلاة والسلام في كل واحدة من هذه الأخلاق الكريمة في الغاية القصوى من الكمال، وكان متمكناً فيها، مستجمعاً لها بأسرها، ولا يتفق ذلك لأحد من الخلق غير أهل العصمة من الله تعالى، فكان اجتماع ذلك في صفاته من أعظم المعجزات) ١،
ففي الرحمة مثلاًخاطبه ربه بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: ١٥٩)، وبقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: ١٢٨)، وهذه الآية تبين ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من الأخلاق العظيمة تجاه أمة دعوته من كونه يعز عليه مشقتهم وهلاكهم وضررهم وأذاهم في سوء العاقبة من الوقوع في العذاب، ويحرص على هداهم ويرأف بهم ويرحمهم٢.
والرحمة من أخلاق الرسول صلوات الله عليه، وهو خلق ذو جذور عميقة في النفس ومحلُّها القلب، ومن آثارها في السلوك الظاهر لين الجانب للناس، ونقيضها غلظ القلب وقساوته، ومن مظاهر هذا النقيض الخشونة في معاملة الناس والسلوك الفظ.

١ الأربعين في أصول الدين ص ٣٠٩، ٣١٠.
٢ البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ٥/١١٧.


الصفحة التالية
Icon