شراء فصار دليلاً لنا على أن من أخذ شيا من غيره وترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلم به والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء يقال ضل منزله فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين ﴿فَمَا رَبِحَت تجارتهم﴾ الربح الفضل على رأس المال والتجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح وإسناد الربح إلى التجارة من الإسناد المجازي ومعناه فما ربحوا في تجارتهم إذ التجارة لا تربح ولما وقع شراء الضلالة بالهدى مجازاً أتبعه ذكر الربح والتجارة ترشيحاً له كقوله... ولما رأيت النسر عز ابن دأية... وعشش في وكريه جاش له صدري...
لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر والمعنى أن مطلوب التجار سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوهما فرأس مالهم الهدى ولم يبق لهم مع الضلالة وإذا لم يبق لهم إلا الضلالة لم يوصفوا بإصابة الربح وإن ظفروا بالأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله قد ربح وقيل الذين صفة أولئك وفما ربحت تجارتهم إلى آخر الآية في محل الرفع خبر أولئك
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)
﴿مّثْلُهُمْ كَمِثْلِِ الذي استوقد نَاراً﴾ لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر ولقد كثر ذلك في الكتب السماوية ومن سور الإنجيل سورة الأمثال والمثل في أصل كلامهم هو المثل وهو النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر المثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلاً إلا قولاً فيه غرابة ولذا حوفظ عليه فلا يغير وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً وكذلك قوله مَّثَلُ الجنة التى وعد المتقون أي فيما قصصنا


الصفحة التالية
Icon