أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله ﷺ على ولده إبراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب ﴿فَهُوَ كظيم﴾ مملوء من الغيظ على
يوسف (٨٥ _ ٨٨)
أولاده ولا يظهر ما يسوءهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله إِذْ نادى وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥)
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ﴾ أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتاً لم يكن بد من اللام والنون ومعنى لا تفتأ لا تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تَكُونَ حَرَضاً﴾ مشفياً على الهلاك مرضاً ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦)
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله﴾ البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره أي لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما اشكوا إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه فخلوني وشكاتي وروي أنه أوحى إلى يعقوب إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقفت بباكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وأعلم من رحمته أنه يأيتني بالفرج من حيث لا أحتسب وروي أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبداً ولا يحصيه غيرك فرج عنى