فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت ﴿وأنهارا﴾ وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معنى جعل ﴿وَسُبُلاً﴾ طرقاً ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى مقاصدكم أو إلى توحيد ربكم
وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)
﴿وعلامات﴾ هي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك ﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ المراد بالنجم الجنس أو هو التريا والفرقدان وبنات نعش والجدى فإن قلت وبالنجم هم يهتدون مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه النجم مقحم فيه هم كأنه قيل وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون فمن المراد بهم قلت كأنه أراد قريشاً فلهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ولهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ﴾ أي الله تعالى ﴿كَمَن لاَّ يخلق﴾ أي الأصنام وجىء بمن الذي هو لأولي العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده وإنما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاماً للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها فأنكر عليهم ذلك بقوله أفمن يخلق كمن لا يخلق وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ فتعرفون فساد ما أنتم عليه
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)
﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ لاتضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلاً أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر وإنما اتبع ذلك ما عدد من نعمه تنبيهاً على أن ما وراءها لا ينحصر ولا يعد ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم


الصفحة التالية
Icon