بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا فلذا أجاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد وجىء بما إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ولو جيء بمن لتناول العقلاء خاصة ﴿وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)
﴿يخافون رَبَّهُمْ﴾ هو حال من الضمير في لا يستكبرون أي لا يستكبرون خائفين ﴿مِّن فوقهم﴾ ان علقته بيخافون فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم وان علقته بربهم حالاً منه فمعناه يخافون ربهم غالباً لهم قاهرا كقوله وهو القاهر فوق عباده ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي وأنهم بين الخوف والرجاء
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)
﴿وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ فإن قلت إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة لأن المعدود عار
النحل (٥١ _ ٥٧)
عن الدلالة على العدد الخاص فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان قلت الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريدت الدلالة على أن المعنيّ به منهما هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية ﴿فإياي فارهبون﴾ نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترغيب من قوله فاياه فارهبوا فارهبونى يعقوب
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)
﴿وله ما في السماوات والأرض وَلَهُ الدين﴾ أي الطاعة ﴿وَاصِبًا﴾ واجباً ثابتاً لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه وهو حال عمل فيه


الصفحة التالية
Icon