﴿مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ﴾ بالعذاب والإكراه على الكفر فَتِنوا شامي أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا ﴿ثُمَّ جاهدوا﴾ المشركين بعد الهجرة ﴿وَصَبَرُوآ﴾ على الجهاد ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر ﴿لَغَفُورٌ﴾ لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية ﴿رَّحِيمٌ﴾ لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١١١)
﴿يوم تأتي﴾ منصوب برحيم أو باذكر ﴿كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا﴾ وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كلٌّ يقول نفسي نفسي ومعنى المجادلة عنها الاعتذار كقولهم هؤلاء أضلونا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والله ربنا ما كنا مشركين ﴿وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ تعطى جزاء عملها وافياً ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ في ذلك
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)
﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً﴾ أي جعل القرية التي هذه حالها مثلاً لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فأنزل الله بهم نقمته فيجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلا لمكة انذارا من مثل عاقبتها ﴿كانت آمنة﴾ من القتل والسبى ﴿مُّطْمَئِنَّةً﴾ لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والانزعاج والقلق مع الخوف ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا﴾ واسعاً ﴿مِّن كُلِّ مَكَانٍ﴾ من كل بلد ﴿فَكَفَرَتْ﴾ أهلها ﴿بِأَنْعُمِ الله﴾ جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس {فَأَذَاقَهَا الله