بعجب أيضاً لأن الله تعالى إنما يختار للنبوة من جمع أسبابها والغنى والتقدم في الدنيا ليس من أسبابها والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجباً إنما العجب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء ﴿قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ﴾ أي سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد وباعاً لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان قدم في الخير وإضافتها إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة أو مقام صدق أو سبق السعادة ﴿قَالَ الكافرون إن هذا﴾ الكتاب ﴿لسحر مبين﴾ مدني وبصري وشامي ومن قرأ لساحر فهذه إشارة إلى رسول الله ﷺ وهو دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣)
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾
أي استولى فقد يقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود ﴿يُدَبّرُ﴾ يقضي ويقدر على مقتضى الحكمة ﴿الأمر﴾ أي أمر الخلق كله وأمر ملكوت السموات والأرض والعرش ولما ذكر ما يدل على عظمته وملكه من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش أتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة وأنه لا يخرج أمر من الأمور عن قضائه وتقديره وكذلك قوله ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ دليل على عزته وكبريائه ﴿ذلكم﴾ العظيم الموصوف بما وصف به ﴿الله رَبُّكُمُ﴾ وهو الذي يستحق العبادة ﴿فاعبدوه﴾ وجدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من إنسان أو ملك فضلاً عن جماد لا يضر ولا ينفع ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أفلا تتدبرون فتستدلون بوجود المصالح والمنافع على وجود المصلح النافع