فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه وفيه دليل بطلان قوله الرافضة أن الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه ﴿وجئتك من سبإٍ﴾ غير منصرف أبو عمرو وجعله اسماً للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسماً للحي أو الأب الأكبر ﴿بنبإٍ يقينٍ﴾ النبأ الخبر الذي له شأن وقوله من سبأ بنبإٍ من محاسن الكلام ويسمى البديع وقد حسن وبدع لفظا ومعنى ههنا ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبإ بخبر لكان المعنى صحيحاً وهو كما جاء أصح لما في النبإ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)
﴿إنّي وجدتّ امرأةً﴾ هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس والضمير في ﴿تملكهم﴾ راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة ﴿وأوتيت﴾ حال وقد مقدرة ﴿من كلّ شيءٍ﴾ من أسباب الدنيا ما لا يليق مجالها ﴿ولها عرش﴾ سرير ﴿عظيمٌ﴾ كبير قيل كان ثمانين ذراعاً في ثمانين ذراعاً وطوله في الهواء ثمانون ذراعاً وكان من ذهب وفضة وكان مرصع بأنواع الجواهر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودر وزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرشها لذلك وقد أخفى الله تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رآها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤)
﴿وجدتّها وقومها يسجدون للشّمس من دون الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل﴾ أي سبيل التوحيد ﴿فهم لا يهتدون﴾ إلى الحق ولا يبعد من