والغيب وهو ما لم يقم عليه دليل ولا أطلع عليه مخلوق مفعول والله بدل مِن مَن والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله نعم إن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السموات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع أي مجرى المتصل ويجزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار أحد إلا حمار وقالت عائشة رضي الله عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله والفرية والله تعالى يقول قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السموات والأرض الغيب إِلاَّ الله وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله ﷺ عن وقت الساعة ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ وما يعلمون ﴿أيان﴾ متى ﴿يبعثون﴾ ينشرون
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)
﴿بل ادارك﴾ أدرك مكي وبصري ويزيد والمفضل أي انتهى وتكامل من أدركت الفاكهة تكاملت نضجاً بَلِ أدرك عن الأعشى افتعل بل ادرك غيرهم استحكم وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلم بها ﴿عِلْمُهُمْ فِى الآخرة﴾ أي في شأن الآخرة ومعناها والمعنى أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وذلك قوله ﴿بَلْ هُمْ فِى شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ﴾ والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم وصفهم أو لا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ثم يأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة ثم بما هو أسوء حالاً وهو العمى وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأه فلذا عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم من التدبر والتفكر ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية وهو وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب وأن العباد لا علم لهم بشيء منه أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب وكان هذا بياناً لعجزهم


الصفحة التالية
Icon