الأحرار بعضاً فيما هو مشترك بينهم فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الاحرار ومالعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء ﴿كذلك﴾ موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل ﴿نفصل الآيات﴾ نبينها لان التمثل مما يكشف المعانى ويوضحها ﴿لقوم يعقلون﴾ بتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٩)
﴿بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ﴾ أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيم ﴿أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي اتبعوا أهواءهم جاهلين ﴿فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله﴾ أي أضله الله تعالى ﴿وَمَا لَهُم مّن ناصرين﴾ من العذاب
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ﴾ فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه ﴿حنيفا﴾ حال من المأمور أو من الدين ﴿فِطْرَةَ الله﴾ أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقية ألا ترى إلى قوله لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوباً للعقل مساوقاً للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري وقوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقال الزجاج معناه أن الله تعالى فطر الخلق