﴿بالخلق الأول﴾ أي أنا لم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز عن الثاني والاعتراف بذلك اعتراف بالإعادة ﴿بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ﴾ في خلط وشبهة قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم وذلك تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح وهو أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر ﴿مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ بعد الموت وإنما نكر الخلق الجديد ليدل على عظمة شأنه وان حق ما سمع به أن يخاف ويهتم به
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ الوسوسة الصوت الخفي ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس والباء مثلها في قوله صوت بكذا ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ المراد قرب علمه منه ﴿مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ هو مثل في فرط القر والوريد عرق في باطن العنق والحبل العرق والإضافة للبيان كقولهم بعير سانية
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧)
﴿إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان﴾ يعني الملكين الحافظين ﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ التلقي
التلقن بالحفظ والكتابة والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس وتقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه كقوله
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني
أي رماني بأمر كنت منه بريئاً وكان والدي منه بريئاً واذا منصوب باقرب لما فيه منى يقرب والمعنى إنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس ولا شيء أخفى منه وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به إيذاناً بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات وانما ذلك الحكمة وهى مافى كتبة الملكين وحفظهما وعرض صحائف العمل يوم القيامة من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات


الصفحة التالية
Icon