يخرّبون بواطنها والمسلمون ظواهرها لما أراد الله من استئصال شأنهم وأن لا نبقي لهم بالمدينة دار ولا منهم ديّار والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج وأما
المؤمنون فداعيهم إلى التخريب
إزالة متحصنهم وأن يتسع لهم مجال الحرب ومعنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين أنهم لما عرضوهم بنكث العهد لذلك وكانوا السبب فيه فكانهم أمروهم به وكلفوهم إياه ﴿فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾ أي فتأملوا فيما نزل بهؤلاء والسبب الذي استحقوا به ذلك فاحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم فتعاقبوا بمثل عقوبتهم وهذا دليل على جواز القياس
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (٣)
﴿وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء﴾ الخروج من الوطن مع الأهل والولد ﴿لَعَذَّبَهُمْ فِى الدنيا﴾ بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة ﴿وَلَهُمْ﴾ سواء أجلوا أو قتلوا ﴿فِى الآخرة عَذَابُ النار﴾ الذي لا أشد منه
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤)
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ أي إنما أصابهم ذلك بسبب أنهم ﴿شَاقُّواْ الله﴾ خالفوه ﴿وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقّ الله﴾ ورسوله ﴿فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (٥)
﴿ما قطعتم من لينة﴾ هو بيان لما قطعتم ومحل ما نصب بقطعتم كأنه قيل أي شيء قطعتم وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾ لانه في معنى اللينة واللينة من الألوان وياؤها عن واو قلبت لكسر ما قبلها وقيل اللينة النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين ﴿قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله﴾ فقطعها وتركها بإذن الله ﴿وَلِيُخْزِىَ الفاسقين﴾ وليذل اليهود ويغيظهم أذن في قطعها
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)
﴿وما أفاء الله على رسوله﴾ جعله فيأ له خاصة ﴿مِنْهُمْ﴾ من بني النضير