إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كان أهل الكتاب يقرؤون التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ» الْآيَةَ.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يقرؤها ابن عباس، و (المثل) صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، أَيْ: لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ [١]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِجَمِيعِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: أَتَوْا بِإِيمَانٍ كَإِيمَانِكُمْ وَتَوْحِيدٍ كَتَوْحِيدِكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا مِثْلَ مَا أَمِنْتُمْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرْيَمَ: ٢٥]، وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِكِتَابِكُمْ كَمَا آمَنْتُمْ بِكِتَابِهِمْ: فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَمُنَازَعَةٍ، قَالَهُ [٢] ابْنُ عَبَّاسٍ وعطاء، يقال: شَاقَّ مُشَاقَّةً إِذَا خَالَفَ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ آخِذٌ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [هُودٍ: ٨٩]، أَيْ: خِلَافِي، وَقِيلَ: فِي عَدَاوَةٍ، دليله قوله تعالى:
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
[الْأَنْفَالِ: ١٣]، أَيْ عَادُوا اللَّهَ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْ يَكْفِيكَ شَرَّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ كُفِيَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ السَّمِيعُ: لأقوالهم، الْعَلِيمُ بأحوالهم [٣].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٨ الى ١٤٠]
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠)
صِبْغَةَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: دِينَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ [٤]، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُتَدَيِّنَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ كَالصَّبْغِ يَلْزَمُ الثَّوْبَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِطْرَةَ اللَّهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سُنَّةَ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخِتَانَ لِأَنَّهُ يَصْبُغُ صَاحِبَهُ بِالدَّمِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَنَّ النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى [٥] عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ أَصْفَرُ، يُقَالُ لَهُ: المعمودية، وَصَبَغُوهُ بِهِ لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ لَا مَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، يَعْنِي: الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً: دِينًا، وَقِيلَ: تَطْهِيرًا، وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ: مُطِيعُونَ.
قُلْ: يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي دِينِ اللَّهِ، والمحاجة:
المجادلة [٦] لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مِنَّا وَعَلَى ديننا، وديننا أقدم فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَقَالَ الله: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، أَيْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ رَبُّنَا

(١) عبارة المخطوط «ليس كهو شيء».
(٢) في المطبوع «قال» :.
(٣) في المخطوط «لأقوالكم- بأحوالكم».
(٤) في المطبوع وحده «أثر الثوب على الصبغ».
(٥) في المطبوع «وفاتت».
(٦) زيد في نسخ المطبوع «في الله».


الصفحة التالية
Icon