وأفسدوا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَمَالِقَةَ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى التَّابُوتِ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِعَيْلَى الْعَالِمِ الَّذِي رَبَّى إِشْمَوِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَانِ شَابَّانِ وَكَانَ عَيْلَى حَبْرَهُمْ وَصَاحِبَ قُرْبَانِهِمْ، فَأَحْدَثَ ابْنَاهُ فِي الْقُرْبَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِعَيْلَى مَنُوطُ الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانُوا يَنُوطُونَهُ بِهِ كُلَّابَيْنِ، فَمَا أَخْرَجَا كَانَ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَنُوطُهُ فَجَعَلَ ابْنَاهُ كَلَالِيبَ، وَكَانَ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَتَشَبَّثَانِ بِهِنَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِشْمَوِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْطَلِقْ إِلَى عَيْلَى فَقُلْ لَهُ: مَنَعَكَ حُبُّ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ تَزْجُرَ ابْنَيْكَ عَنْ أَنْ يُحْدِثَا في قرباني وقدسي شيئا، وَأَنْ يَعْصِيَانِي فَلَأَنْزِعَنَّ الْكَهَانَةَ مِنْكَ ومن ولدك ولأهلكنّك وإياهما [١]، فَأَخْبَرَ إِشْمَوِيلُ عَيْلَى بِذَلِكَ فَفَزِعَ فَزَعًا شَدِيدًا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِمَّنْ حَوْلَهُمْ فَأَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَا بِالنَّاسِ فَيُقَاتِلَا ذَلِكَ الْعَدُوَّ، فَخَرَجَا وَأَخْرَجَا مَعَهُمَا التَّابُوتَ فَلَمَّا تهيّؤوا لِلْقِتَالِ جَعَلَ عَيْلَى يَتَوَقَّعُ الْخَبَرَ مَاذَا صَنَعُوا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ وَهُوَ جالس على كرسيه فقال: أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا وَأَنَّ ابْنَيْكَ قَدْ قُتِلَا، قَالَ: فَمَا فَعَلَ التَّابُوتُ؟ قَالَ: ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ فَشَهِقَ وَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ من [٢] كرسيه ومات، فخرج أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَفَرَّقُوا إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ مَلِكًا، فسألوا الْبَيِّنَةَ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ، وَكَانَتْ قِصَّةُ التَّابُوتِ أَنَّ الَّذِينَ سَبَوُا التَّابُوتَ أَتَوْا بِهِ قَرْيَةً مِنْ قُرَى فِلَسْطِينَ يُقَالُ لَهَا ازْدَوَدُ، وَجَعَلُوهُ فِي بَيْتِ صَنَمٍ لَهُمْ وَوَضَعُوهُ تَحْتَ الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ فَأَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ وَالصَّنَمُ تَحْتَهُ فَأَخَذُوهُ وَوَضَعُوهُ فَوْقَهُ وَسَمَّرُوا [٣] قَدَمِيِ الصَّنَمِ عَلَى التَّابُوتِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُ الصَّنَمِ وَرِجْلَاهُ، وَأَصْبَحَ مُلْقًى تَحْتَ التَّابُوتِ، وَأَصْبَحَتْ أَصْنَامُهُمْ مُنَكَّسَةً فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْتِ الصَّنَمِ وَوَضَعُوهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ مَدِينَتِهِمْ، فَأَخَذَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَجَعٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى هَلَكَ أَكْثَرُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ إِلَهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَأَخْرِجُوهُ إِلَى قَرْيَةِ كَذَا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ [فَأْرًا فَكَانَتِ الْفَأْرَةُ تَبِيتُ مَعَ الرَّجُلِ [منهم] فيصبح ميتا وقد أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفِهِ] [٤]، فَأَخْرَجُوهُ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَدَفَنُوهُ فِي مَخْرَأَةٍ لَهُمْ [٥]، فَكَانَ كُلُّ مَنْ تَبَرَّزَ [بها] أخذه الباسور والقولنج فتحيّروا [في أمرهم وفي الأماكن لهم التابوت] [٦]، فَقَالَتْ لَهُمُ امْرَأَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ: لَا تَزَالُونَ تَرَوْنَ مَا تَكْرَهُونَ مَا دَامَ هَذَا التَّابُوتُ فِيكُمْ فَأَخْرِجُوهُ عَنْكُمْ، فَأَتَوْا بِعَجَلَةٍ [٧]، بِإِشَارَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوتَ، ثُمَّ عَلَّقُوهَا عَلَى ثَوْرَيْنِ وَضَرَبُوا جَنُوبَهُمَا، فَأَقْبَلَ الثَّوْرَانِ يَسِيرَانِ، وَوَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا أَرْبَعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُوقُونَهُمَا [٨]، فَأَقْبَلَا حَتَّى وَقَفَا عَلَى أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَسَرَا نَيْرَيْهِمَا [٩] وَقَطَعَا حِبَالَهُمَا وَوَضَعَا التَّابُوتَ فِي أَرْضٍ فِيهَا حصاد لبني إِسْرَائِيلَ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِهِمَا، فَلَمْ يُرَعْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا بِالتَّابُوتِ، فَكَبَّرُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، أَيْ: تَسُوقُهُ [١٠]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ طَالُوتَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ التَّابُوتُ مَعَ الملائكة

(١) في المطبوع «وإياهم».
(٢) زيد في المخطوط «على».
(٣) في المطبوع «وشمّروا» وفي المخطوط «سحروا».
(٤) العبارة في المخطوط [فأرا تنيب الفأرة مع الرجل منهم فيصبح ميتا وقد أكلت ما في بطنه].
(٥) الخرء: العذرة والموضع.
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) في المطبوع «بعجلة».
(٨) في المطبوع «يسوقونها».
(٩) النير: الخشبة التي على عنق الثور بأدتها- والقصب- والخيوط إذا اجتمعت.
(١٠) الأثر بطوله من الإسرائيليات.


الصفحة التالية
Icon