هَؤُلَاءِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. اصْطَفى: اخْتَارَ، افْتَعَلَ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَهِيَ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، آدَمَ أَبُو [١] الْبَشَرِ، وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ، قِيلَ: أَرَادَ بِآلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعِمْرَانَ أَنْفُسَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٨]، يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: آلَ إِبْرَاهِيمَ: إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَّا آلَ عمران فقد قال مُقَاتِلٌ: هُوَ عِمْرَانُ بْنُ يَصْهُرَ بْنِ فَاهَتْ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالِدُ [٢] مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَوَهْبٌ: هُوَ عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ بْنِ أَمُونَ مِنْ وَلَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام، وآله [٣] : مَرْيَمَ وَعِيسَى، وَقِيلَ:
عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ كُلَّهُمْ مِنْ نسلهم، عَلَى الْعالَمِينَ [أَيْ عَالَمِي زَمَانِهِمْ] [٤].
ذُرِّيَّةً، اشْتِقَاقُهَا مِنْ ذَرَأَ بِمَعْنَى خَلَقَ، وَقِيلَ: مِنَ الذَّرِّ لِأَنَّهُ استخرجهم مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ، وَيُسَمَّى الْأَوْلَادُ [٥] وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةً، فَالْأَبْنَاءُ ذُرِّيَّةٌ، لِأَنَّهُ ذَرَأَهُمْ، وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّهُ ذَرَأَ الْأَبْنَاءَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ [يس: ٤١]، أَيْ: آبَاءَهُمْ، ذُرِّيَّةً نصب على معنى: اصطفى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أَيْ: بَعْضُهَا مِنْ وَلَدِ بَعْضٍ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِي التَّنَاصُرِ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا عَلَى دِينِ بَعْضٍ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ، وهي حنة بنت فاقوذا [٦] أم مريم، وعمران: هو [٧] ابن ماثان، وليس [هو] [٨] بِعِمْرَانَ أَبِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأن [٩] بينهما ألفا وثمانمائة سنة، [وقيل: كان بين إبراهيم وموسى عليهما السلام أَلْفُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى عليهما السلام ألفا سنة] [١٠]، وكان بنو [١١] ماثان [١٢] رؤوس بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ، وَقِيلَ: عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، أَيْ: جَعَلْتُ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا نَذْرًا مني لك [١٣]، وَالنَّذْرُ: مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مُحَرَّراً، أَيْ: عَتِيقًا خَالِصًا لِلَّهِ مُفْرَغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَلِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ، لَا أَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَكُلُّ مَا أُخْلِصَ فَهُوَ مُحَرَّرٌ، يُقَالُ: حَرَّرْتُ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقْتُهُ وَخَلَّصْتُهُ مِنَ الرِّقِّ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ الْمُحَرَّرُ إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ في الكنيسة يقوم عليها يكنسها ويخدمها ولا يبرح [مقيما عليها] [١٤] حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ إن أحب أقام فيها وَإِنْ أَحَبَّ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ والعلماء إلا من نسله محرّر لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّرًا إِلَّا الْغِلْمَانُ وَلَا تَصْلُحُ لَهُ الْجَارِيَةُ، لِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، فَحَرَّرَتْ أَمُّ مَرْيَمَ مَا فِي بَطْنِهَا وَكَانَتِ الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا وَعِمْرَانَ تَزَوَّجَا أختين، وكانت إيشاع بنت فاقوذا أم يحيى عند زكريا،
(٢) في المطبوع «وآله».
(٣) في المخطوط «والد».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) في المطبوع «فالأولاد».
(٦) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط «قاقوذا» وهو تصحيف. وعند ابن كثير «فاقوذ» وكذا عند الطبري.
(٧) زيد في المطبوع وط «عمران».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المخطوط وط «و» بدل «لأن».
(١٠) زيد في المطبوع وحده.
(١١) في المخطوط «أبو» والتصويب عن- ط و «الدر المنثور».
(١٢) زيد في المخطوط «من».
(١٣) زيد في المطبوع وط فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(١٤) زيادة عن المخطوط.