لَهَا الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ قَامَتْ فِي الصلاة حتى [تورمت] [١] قَدَمَاهَا وَسَالَتْ دَمًا وَقَيْحًا وَاسْجُدِي وَارْكَعِي، قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ بَلْ للجمع، يجوز أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَى عَمْرًا قَبْلَ زَيْدٍ، مَعَ الرَّاكِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ مَعَ الرَّاكِعَاتِ لِيَكُونَ أَعَمَّ وَأَشْمَلَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَعَ المصلّين في الجماعة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، يَقُولُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا ويحيى ومريم وعيسى، [على نبيّنا وعليهم السلام، مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، أَيْ] [٢] : مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى ذَلِكَ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ، وَما كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ، لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ، سِهَامَهُمْ فِي الْمَاءِ لِلِاقْتِرَاعِ، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ يَحْضُنُهَا وَيُرَبِّيهَا، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ، فِي كَفَالَتِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، إنما قال اسمه، وردّ الْكِنَايَةَ إِلَى عِيسَى، وَاخْتَلَفُوا فِي أنه لم سمّي مسيحا، فمنهم مَنْ قَالَ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَعْنِي: أَنَّهُ مُسِحَ مِنَ الْأَقْذَارِ وَطُهِّرَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: مَسَحَهُ جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَسِيحَ الْقَدَمِ لَا أَخْمَصَ لَهُ، وَسُمِّيَ الدجال مسيحا [لأنه مَمْسُوحَ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ] [٣]، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، مِثْلُ عليم وعالم، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: سمّي [عيسى عليه السلام] [٤] مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَا مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِأَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُقِيمُ فِي مَكَانٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةً، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ، وَيَكُونُ الْمَسِيحُ بِمَعْنَى:
الْكَذَّابِ، وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ. وَالْحَرْفُ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَجِيهاً، أَيْ: شَرِيفًا رَفِيعًا ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، عِنْدَ الله.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَغِيرًا قَبْلَ أَوَانِ الْكَلَامِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مريم: ٣٠] الآية، حكي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ مَرْيَمُ: كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ أَنَا وَعِيسَى حَدَّثَنِي وَحَدَّثْتُهُ، فَإِذَا شَغَلَنِي عَنْهُ إِنْسَانٌ سَبَّحَ فِي بَطْنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قَوْلَهُ، وَكَهْلًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: يعني إذا [اجتمعت قوته] [٥] قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: وَكَهْلًا: بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: أخبرها [الله] [٦] أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَكْتَهِلَ وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْكُهُولَةِ إِخْبَارُهُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُعْجِزَةِ، وَقِيلَ:
وَكَهْلًا: نَبِيًّا بَشَّرَهَا بِنُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ مُعْجِزَةٌ وَفِي الْكُهُولَةِ دعوة، وقال مجاهد:
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) العبارة في المخطوط «لأنه ممسوح العين».
(٤) زيد في المطبوع وحده.
(٥) ما بين المعقوفتين في المخطوط وط «اجتمع».
(٦) زيادة عن المخطوط. [.....]