للخلق، فَشَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُمْ وَرَحِمَ كَافَّتَهُمْ.
فَسَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِي الْمُخْلِصِينَ- وَعَلَى اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مُقْبِلِينَ- كِتَابًا فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ وَتَفْسِيرِهِ، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، مُمْتَثِلًا وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ع «١» أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا».
وَاقْتِدَاءً بِالْمَاضِينَ مِنَ السَّلَفِ فِي تَدْوِينِ الْعِلْمِ إِبْقَاءً عَلَى الْخَلَفِ وَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مَزِيدٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ تَجْدِيدِ مَا طَالَ بِهِ الْعَهْدُ، وَقَصُرَ لِلطَّالِبِينَ فِيهِ الْجِدُّ والجهد، تنبيها للمتوقفين وتحريضا

١- ضعيف بهذا اللفظ. أخرجه الترمذي (٢٦٥٠ و٢٦٥١) وابن ماجه (٢٤٧ و٢٤٩ وابن عدي (٥/ ٧٩) والطبراني في «الأوسط» (٧٠٥٥) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٤/ ٣٨٧) و «موضح أوهام الجمع والتفريق» (٢/ ٣٩٢) ح ٥ والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ٢٢ من طرق عن أبي هارون العبدي قال: كنا نأتي أبا سعيد، فيقول: مرحبا بوصية رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الناس لكم تبع وإن رجالا... » بمثل سياق المصنف، وإسناده ضعيف جدا، فيه أبو هارون اسمه عمارة بن جوين، متروك الحديث، قاله النسائي، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال يحيى: ضعيف، وكذبه حماد بن زيد، وقال الذهبي: ليّن بمرة، راجع «الميزان» (٦٠١٨). وضعف الترمذي هذا الحديث بقوله: قال علي: قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعف أبا هارون. وقال البوصيري في «الزجاجة» عمارة بن جوين، ضعيف باتفاقهم. قلت: تقدم أنه ضعيف جدا كما قال الذهبي، وكذبه حماد بن زيد والجوزجاني والسعدي وغيرهم.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن ماجه ٢٤٨، وفيه المعلى بن هلال، وهو متروك متهم، قال البوصيري في «الزوائد» كذبه أحمد وابن معين وغيرهما، شيخه إسماعيل بن مسلم اتفقوا على ضعفه اهـ. قلت: وله علة ثالثة: الحسن لم يلق أبا هريرة، ولم يسمع منه. وهذا الحديث في ذكر دخول الحسن بيت أبي هريرة. فالحديث لا شيء، وهو شبه موضوع.
- وله شاهد ثالث بمعناه، أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (٢٤) من طريق رواد بن الجراح عن المنهال بن عمرو عن رجل عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنه سيضرب إليكم في طلب العلم، فرحبوا ويسروا وقاربوا» وهذا إسناد ضعيف جدا. رواد بن الجراح، ضعيف، فهذه علة، وفيه راو لم يسمّ، فالحديث بشواهده يرقى إلى درجة الضعيف فحسب لشدة ضعف أسانيده.
- وقد ورد عن أبي سعيد ليس فيه اللفظ المرفوع، أخرجه الحاكم (١/ ٨٨ ح ٢٩٨) والرامهرمزي ٢١ كلاهما عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: «مرحبا بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصينا بكم» وهذا إسناد لا بأس به، رجاله ثقات لكن الجريري اختلط بأخرة، وصححه الحاكم على شرط مسلم! وسكت الذهبي! وعلته اختلاط الجريري قبل موته بثلاث سنين، واسمه سعيد بن إياس. وأخرجه الرامهرمزي ٢٠ من طريق بشر بن معاذ عن أبي عبد الله شيخ ينزل وراء منزل حماد بن زيد عن الجريري به، وإسناده ضعيف، فيه الجريري، وفيه أبو عبد الله جار حماد، وهو مجهول، راجع «الميزان» (٣/ ٣٦٧- ٣٦٨) وله طريق آخر أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» برقم ٢٣، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمّاني، كذبه أحمد، وضعفه الجمهور.
- وورد عن أبي الدرداء نحو الوارد عن أبي سعيد من قوله، فقد أخرج الدارمي ١/ ٩٩ عن عامر بن إبراهيم قال: كان أبو الدرداء إذا رأى طلبة العلم قال: مرحبا بطلبة العلم، وكان يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوصى بكم، وفيه عامر بن إبراهيم هذا لم أجد له ترجمة. لكن يشهد هذا للوارد عن أبي سعيد دون اللفظ المرفوع.
الخلاصة: اللفظ المرفوع الوارد في هذا الحديث ضعيف، لا يرقى عن درجة الضعف لشدة ضعف رواته، وأما كلام أبي سعيد، فهو من نوع الحسن، ويشهد له الوارد عن أبي الدرداء، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon