[سورة الأنعام (٦) : آيَةً ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هَذِهِ الْآيَةُ أَوَّلُ آيَةٍ فِي التَّوْرَاةِ، وَآخِرُ آيَةٍ فِي التَّوْرَاةِ، قَوْلُهُ: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الإسراء: ١١١] الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: افْتَتَحَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِالْحَمْدِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَخَتَمَهُ بِالْحَمْدِ فَقَالَ:
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، أَيْ: بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الزُّمَرِ: ٧٥]، قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمَدَ اللَّهُ نَفْسَهُ تَعْلِيمًا لِعِبَادِهِ، أَيِ: احْمِدُوا اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ فِيمَا يَرَى الْعِبَادُ وَفِيهِمَا الْعِبَرُ وَالْمَنَافِعُ لِلْعِبَادِ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، والجعل بمعنى الخلق، وقال الْوَاقِدِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهِمَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، يَعْنِي: [الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بالظلمات الجهل والنور الْعِلْمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَدْ جَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنور، لأنه خلق السموات وَالنُّورَ قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ قَتَادَةُ] [١] : خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ قَبْلَ الأرض، وخلق الظلمة قَبْلَ النُّورِ، وَالْجَنَّةَ قَبْلَ النَّارِ.
«٨٥٨» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ [٢] فَى ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ». ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، أَيْ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، أَيْ: يُشْرِكُونَ، وَأَصْلُهُ مِنْ [٣] مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَمِنْهُ الْعَدْلُ، أَيْ: يَعْدِلُونَ بِاللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، يُقَالُ: عَدَلْتُ هَذَا بِهَذَا إِذَا ساويته به، [و] [٤] قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ، أَيْ: عَنْ رَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، أَيْ يَمِيلُونَ وَيَنْحَرِفُونَ مِنَ الْعُدُولِ [٥]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الْإِنْسَانِ: ٦]، أَيْ: مِنْهَا، وَقِيلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ: مَعْنًى لَطِيفٌ: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بِكَذَا وَتَفَضَّلْتُ عَلَيْكُمْ بِكَذَا، ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِنِعْمَتِي.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢ الى ٣]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣)
٨٥٨- حسن. أخرجه الترمذي ٢٦٤٢ وأحمد (٢/ ١٧٦ و١٩٧) وابن أبي عاصم في «السنة» ٢٤٣ و٢٤٤ وابن حبان ٦١٦٩ و٦١٧٠ والحاكم (١/ ٣٠) واللالكائي ١٠٧٧ و١٠٧٩ والآجري في «الشريعة» ص ١٧٥ من طرق عن عبد الله بن الديلمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن اهـ.
وله شواهد كثيرة تعضده. [.....]
(١) ما بين الحاصرتين سقط من ب.
(٢) في ب، «خلقه».
(٣) في المطبوع «خلق».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «العدل».
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن اهـ.
وله شواهد كثيرة تعضده. [.....]
(١) ما بين الحاصرتين سقط من ب.
(٢) في ب، «خلقه».
(٣) في المطبوع «خلق».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «العدل».