، بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، حِينَ امْتَنَعُوا مِنْ أَكْلِ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَعَوْا إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ، الَّذِينَ يُجَاوِزُونَ الْحَلَالَ إِلَى الْحَرَامِ.
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ، يَعْنِي: الذُّنُوبَ كُلَّهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ قَتَادَةُ:
عَلَانِيَتِهِ وَسِرِّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ظاهر [الإثم] ما يعمله الإنسان بِالْجَوَارِحِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَاطِنُهُ مَا يَنْوِيهِ وَيَقْصِدُهُ بِقَلْبِهِ كَالْمُصِرِّ عَلَى الذنب القاصد له، قال الكلبي: ظاهره الزنا وباطنه المخالفة، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْإِثْمِ الْإِعْلَانُ بِالزِّنَا، وَهُمْ أَصْحَابُ الرايات، وَبَاطِنَهُ الِاسْتِسْرَارُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ العرب كانوا يحبون الزنا وكان الشَّرِيفُ مِنْهُمْ يَتَشَرَّفُ فَيُسِرُّ بِهِ، وَغَيْرُ الشَّرِيفِ لَا يُبَالِي بِهِ فَيُظْهِرُهُ، فَحَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ وَبَاطِنُهُ الزِّنَا، وقال ابن زيد: إن ظَاهِرُ الْإِثْمِ التَّجَرُّدُ مِنَ الثِّيَابِ وَالتَّعَرِّي فِي الطَّوَافِ وَالْبَاطِنُ الزِّنَا، وروى حيان [١] عَنِ الْكَلْبِيِّ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ طَوَافُ الرِّجَالِ بِالْبَيْتِ نَهَارًا عُرَاةً، وَبَاطِنُهُ طَوَافُ النِّسَاءِ بِاللَّيْلِ عُرَاةً، إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ، فِي الْآخِرَةِ، بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ، يَكْتَسِبُونَ في الدنيا.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْآيَةُ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْآيَةُ فِي تَحْرِيمِ الذَّبَائِحِ الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا عَلَى اسْمِ الْأَصْنَامِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهَا سَوَاءً تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْلِيلِهَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا لَا يَحِلُّ، وَإِنَّ تَرَكَهَا نَاسِيًا يَحِلُّ، [حَكَى الْخِرَقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ] [٢]، وَهُوَ قول الثوري وأصحاب الرأي، ومن أَبَاحَهَا قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْمَيْتَاتِ أَوْ مَا ذُبِحَ عَلَى اسم غير اللَّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ، وَالْفِسْقُ فِي ذِكْرِ اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: ١٤٥]، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهَا بِمَا:
«٨٨٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا

٨٨٩- إسناده صحيح على شرط البخاري.
أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان.
وهو في «شرح السنة» ٢٦٧٣ بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري» ٧٣٩٨ عن يوسف بن موسى بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٠٥٧ و٥٥٠٧ وأبو داود ٢٨٢٩ والنسائي (٧/ ٢٣٧) وابن ماجه ٣١٧٤ وابن الجارود ٨٨١ والدارمي (٢/ ١٠) والدارقطني (٤/ ٢٩٦) والبيهقي (٩/ ٢٣٩) من طرق عن هشام بن عروة به.
(١) كذا في المطبوع و، أ، وفي ب «حسان» وفي ط «حبان».
(٢) زيد في المطبوع وط وأ.


الصفحة التالية
Icon