قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها، أَيْ: كَمَا أَنَّ فُسَّاقَ مَكَّةَ أَكَابِرُهَا، كَذَلِكَ جَعَلْنَا فُسَّاقَ كَلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَهَا، أَيْ: عُظَمَاءَهَا، جَمْعُ أَكْبَرَ، مِثْلُ أَفْضَلَ وَأَفَاضِلَ، وَأَسُودَ وَأَسَاوِدَ، وَذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ ضُعَفَاءَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشُّعَرَاءِ: ١١١]، وَجَعَلَ فُسَّاقَهُمْ أَكَابِرَهُمْ، لِيَمْكُرُوا فِيها، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْلَسُوا عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ مَكَّةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ لِكُلِّ مَنْ يُقْدِمُ: إِيَّاكَ وَهَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ كَاهِنٌ سَاحِرٌ كَذَّابٌ. وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ، لأنّ وبال مكرهم يعود عليه. وَما يَشْعُرُونَ، أَنَّهُ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ، يَعْنِي: مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ: لَوْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ حَقًّا لَكُنْتُ أَوْلَى بِهَا مِنْكَ، لِأَنِّي أَكْبَرُ مِنْكَ سِنًّا وَأَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: زَاحَمَنَا بَنُو عَبْدِ مناف في الشرف حتى إذا [١] صِرْنَا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَتَّبِعُهُ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَنَا وَحْيٌ كَمَا يَأْتِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ، حُجَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ رِسالَتَهُ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (رِسَالَاتِهِ) بِالْجَمْعِ، يَعْنِي:
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالرِّسَالَةِ. سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ، ذُلٌّ وَهَوَانٌ، عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ، قِيلَ: صَغَارٌ فِي الدُّنْيَا وعذاب شديد في الآخرة.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٥]
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، أَيْ: يَفْتَحْ قَلْبَهُ وَيُنَوِّرْهُ حَتَّى يَقْبَلَ الْإِسْلَامَ.
«٨٩١» وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرْحِ الصَّدْرِ، قال: «نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ٨٥٢ والطبري ١٣٨٥٦ و١٣٨٥٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٢٥٧١ عن أبي جعفر المدائني مرسلا.
ومع إرساله أبو جعفر المدائني ذكره الذهبي في «الميزان» ٤٦٠٨ وقال: قال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة.
وورد من حديث ابن مسعود عند الحاكم (٤/ ٣١١) والبيهقي في «الشعب» ١٠٥٥٢ وإسناده ضعيف لضعف عدي بن الفضل، وقد سكت عليه الحاكم، وقال الذهبي: ابن الفضل، ساقط اهـ.
وفيه المسعودي اختلط بأخرة.
وأخرجه الطبري ١٣٨٥٩ عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وإسناده منقطع، وفيه سعيد بن عبد الملك الحراني، وهو متروك،
(١) في المطبوع وط «إنا».