مَا عَلَا فَأَظَلَّ، وَمِنْهُ عَرْشُ الْكُرُومُ. وَقِيلَ: الْعَرْشُ الْمُلْكُ. يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وأبو بكر يُغْشِي بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: يَأْتِي اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ فَيُغَطِّيهِ، وَفِيهِ حَذْفٌ أَيْ: وَيُغْشِي النَّهَارُ اللَّيْلَ، ولم يذكر لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ:
يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزُّمَرُ: ٥]، يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، أَيْ: سَرِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يعقب أحدهما الْآخَرَ وَيَخْلُفُهُ، فَكَأَنَّهُ يَطْلُبُهُ. وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ كُلَّهَا بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، أَيْ: خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسَخَّرَاتٍ، أَيْ: مُذَلَّلَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، لَهُ الْخَلْقُ لِأَنَّهُ خَلَقَهُمْ وَلَهُ الْأَمْرُ يَأْمُرُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ كَفَرَ. تَبارَكَ اللَّهُ، أَيْ: تَعَالَى اللَّهُ وَتَعَظَّمَ. وَقِيلَ: ارْتَفَعَ. وَالْمُبَارَكُ الْمُرْتَفِعُ. وَقِيلَ:
تَبَارَكَ تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، أَيْ: الْبَرَكَةُ تُكْتَسَبُ وَتُنَالُ بِذِكْرِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ. وَقَالَ الحسن: تجيء البركة من عنده. وَقِيلَ: تَبَارَكَ تَقَدَّسَ، وَالْقُدْسُ الطَّهَارَةُ. وَقِيلَ:
تَبَارَكَ اللَّهُ أَيْ بِاسْمِهِ يُتَبَرَّكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: مَعْنَى هَذِهِ الصِّفَةِ ثَبَتَ ودام كما [١] لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. وَأَصِلُ الْبَرَكَةِ الثُّبُوتُ. وَيُقَالُ: تَبَارَكَ اللَّهُ، وَلَا يُقَالُ: مُتَبَارَكٌ وَلَا مُبَارَكٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ التَّوْقِيفُ.
رَبُّ الْعالَمِينَ.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً، تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَةً، وَخُفْيَةً، أَيْ: سِرًّا. قَالَ الْحَسَنُ: بَيْنَ دَعْوَةِ السِّرِّ وَدَعْوَةِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعُونَ ضِعْفًا، وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صوت، إن كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ربّهم، ذلك أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً، وَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا وَرَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) [مَرْيَمُ: ٣]. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، قِيلَ:
الْمُعْتَدِينَ فِي الدُّعَاءِ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: هُمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
«٩٢٧» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بن أحمد
سعيد الجريري هو ابن إياس، أبو نعامة هو قيس بن عباية.
وهو في «سنن أبي داود» ٩٦ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه ٣٨٦٤ وأحمد (٤/ ٨٧) و (٥/ ٥٥) وابن أبي شيبة (١٠/ ٢٨٨) والطبراني في «الدعاء» ٥٩ والحاكم (١/ ١٦٢ و٥٤٠) وابن حبان ٦٧٦٤ من طرق عن حماد بن سلمة به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٨٦) والطبراني ٥٨ من طريق حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أبي نعامة به. وإسناده ضعيف لضعف يزيد الرقاشي، لكن توبع.
وأخرجه ابن حبان ٦٧٦٣ من طريق الطيالسي عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الجريري عن أبي العلاء يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المغفل ابنا له..... فذكره.
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه أبو داود ١٤٨٠ وابن أبي شيبة (١٠/ ٢٨٨) وأحمد (١/ ١٧٢ و١٨٣
(١) في المطبوع «بما».