مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا أَبُو اليمان أنبأ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ أَنْبَأَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] [١] :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَغْلَقَ لُوطٌ بَابَهُ وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُ فِي الدَّارِ، وَهُوَ يُنَاظِرُهُمْ وَيُنَاشِدُهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، وَهُمْ يُعَالِجُونَ تَسَوُّرَ الْجِدَارِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا يَلْقَى لوط بسببهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)
قالُوا يَا لُوطُ، إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَافْتَحِ الْبَابَ وَدَعْنَا وَإِيَّاهُمْ، فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلُوا فَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فَنَشْرَ جَنَاحَهُ وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا أَجْلَى الْجَبِينِ وَرَأَسُهُ حُبُكٌ مِثْلُ الْمَرْجَانِ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ بَيَاضًا وَقَدَمَاهُ إِلَى الْخُضْرَةِ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ وُجُوهَهُمْ فَطَمَسَ أعينهم وأعمى أبصارهم، فَصَارُوا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يقولون: النجاة النجاة، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ سَحَرُونَا، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لُوطُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ فَسَتَرَى مَا تَلْقَى منّا غدا، يوعدونه.
[فقالت الملائكة: لا تخف إنّا أرسلنا لإهلاكهم] [٢]، فَقَالَ لُوطٌ لِلْمَلَائِكَةِ: مَتَى مَوْعِدُ إهلاكهم؟ فقالوا:
الصبح، قال: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَهْلَكْتُمُوهُمُ الْآنَ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، ثُمَّ قَالُوا:
فَأَسْرِ، يَا لُوطُ، بِأَهْلِكَ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ: «فاسر وأن اسْرِ» بِوَصْلِ الْأَلِفِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ سَرَى يَسْرِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِقَطْعِ الْأَلْفِ مِنْ أَسْرَى يُسْرِي. وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَسِيرُ بِاللَّيْلِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِبَقِيَّةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ مُضِيِّ أَوَّلِهِ. وَقِيلَ:
إِنَّهُ السَّحَرُ الْأَوَّلُ. وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «امْرَأَتُكَ»، بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِالْتِفَاتِ، أَيْ: لَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ فَتَهْلِكُ وَكَانَ لُوطٌ قَدْ أَخْرَجَهَا معه، ونهى من معه مِمَّنْ أَسْرَى بِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتَ سِوَى زَوْجَتِهِ فَإِنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ هَدَّةَ الْعَذَابِ الْتَفَتَتْ، وَقَالَتْ: يَا قَوْمَاهُ فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا. وَقَرَأَ الآخرون بنصب التاء على استثناء مِنَ الْإِسْرَاءِ، أَيْ: فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ فَلَا تَسْرِ بِهَا وَخَلِّفْهَا مَعَ قَوْمِهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا إِلَيْهِمْ، وَتَصْدِيقُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَيْ: مَوْعِدُ هَلَاكِهِمْ وَقْتُ الصُّبْحِ، فَقَالَ لُوطٌ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.
قَوْلُهُ: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا، عَذَابُنَا، جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ تَحْتَ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ الْمُؤْتَفِكَاتِ وَهِيَ خَمْسُ مَدَائِنَ، وَفِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ. وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ،

يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عن أبي هريرة به في أثناء حديث وصدره:
«نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ... ».
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع. [.....]


الصفحة التالية
Icon