عَذابٌ عَظِيمٌ، الْخُلُودُ فِي النَّارِ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٢]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكِسَائِيُّ لِلسُّحْتِ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا، وَهُوَ الْحَرَامُ، وَأَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [طه: ٦١]، نَزَلَتْ فِي حُكَّامِ [١] الْيَهُودِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَمْثَالِهِ، كَانُوا يَرْتَشُونَ وَيَقْضُونَ لِمَنْ رَشَاهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ إِذَا أَتَاهُ أَحَدٌ بِرُشْوَةٍ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ فَيُرِيهَا إِيَّاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى خَصْمِهِ، فَيَسْمَعُ الْكَذِبَ وَيَأْكُلُ الرُّشْوَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ إِذَا رَشَوْتَهُ لِيُحِقَّ لَكَ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ عَنْكَ حَقًّا، فَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْوَالِيَ يَخَافُ ظُلْمَهُ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بأس، والسحت هُوَ الرُّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرُّشْوَةُ في كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: من شفع [٢] شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَدْفَعَ بِهَا ظُلْمًا فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ فَهُوَ سُحْتٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ، فَقَالَ:
الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [الْمَائِدَةِ: ٤٤].
٧٩»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا [٣] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال: «لعنة الله على الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ».
وَالسُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً، خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ الْيَوْمَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَحَاكَمُوا [٤] إِلَيْنَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حكم مَنْسُوخٌ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنْ شاؤوا حكموا وإن شاؤوا لَمْ يَحْكُمُوا، وَإِنْ حَكَمُوا حَكَمُوا بحكم الإسلام، وهو قول

٧٩٧- إسناده حسن لأجل الحارث بن عبد الرحمن خال ابن أبي ذئب، فإنه صدوق، وباقي الإسناد على شرطهما سوى علي بن الجعد، فإنه من رجال البخاري، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
وهو في «شرح السنة» ٢٤٨٧ بهذا الإسناد.
وفي «الجعديات» ٢٨٦٤ عن علي بن الجعد به.
وأخرجه أبو داود ١٣٣٧ وأبو داود ٣٥٨٠ وابن ماجه ٢٣١٣ والطيالسي ٢٢٧٦ وأحمد (٢/ ١٤٦ و١٩٠ و١٩٤ و٢١٢) وابن حبان ٥٠٧٧ وابن الجارود ٥٨٦ والحاكم (٤/ ١٠٢، ١٠٣) والبيهقي (١٠/ ١٣٨، ١٣٩) من طرق عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح اهـ.
(١) زيد في المطبوع وحده «حكم».
(٢) في المطبوع «يشفع».
(٣) زيد في الأصل «أحمد بن» بين «أنا» و «عبد الرحمن» والتصويب من ط و «شرح السنة».
(٤) في المطبوع «تحاكم».


الصفحة التالية
Icon