بِالْعَيْنِ الْعَيْنَيْنِ، وَخَفَّفَ نَافِعٌ الْأُذُنَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَثَقَّلَهَا الْآخَرُونَ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، تُقْلَعُ بِهَا وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ قِيَاسٌ عَلَيْهَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، فَهَذَا تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَالْأُذُنَ وَالسِّنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، أَيْ: فِيمَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ فيه [١] مِنْ كَسْرِ عَظْمٍ أَوْ جَرْحِ لَحْمٍ كَالْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْعَيْنَ وَمَا بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «وَالْجُرُوحُ» بِالرَّفْعِ فَقَطْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ كَالنَّفْسِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَيْ: بِالْقِصَاصِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، قِيلَ: الْهَاءُ فِي لَهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَجْرُوحِ وَوَلِيِّ الْقَتِيلِ، أَيْ: كَفَّارَةٌ لِلْمُتَصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ.
«٨٠٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا [أَبُو] عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْنَوَرِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهُ بِشَيْءٍ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ».
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَارِحِ وَالْقَاتِلِ، يَعْنِي: إِذَا عفا المجنى عليه من الْجَانِي فَعَفْوُهُ كَفَّارَةٌ لِذَنْبِ الْجَانِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ كَفَّارَةٌ لَهُ، فَأَمَّا أَجْرُ الْعَافِي فَعَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ،
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٣٠) من طريق جرير بهذا الإسناد وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٣٠٢) (١٠٧٩٧) وقال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، بلفظ: «من تصدّق بشيء من جسده أعطي بقدر ما تصدّق به» ورجال المسند رجال الصحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣١٦) والطبري ١٢٠٨٦ من طريق هشيم بن بشير عن مغيرة به.
وورد بمعناه.
من حديث أبي هريرة عند ابن أبي عاصم في «الديات» ١١٥ وفي إسناد مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.
ومن حديث أبي الدرداء عند الترمذي ١٣٩٣ وابن ماجه ٢٦٩٣ وأحمد (٥/ ٣١٦) و (٦/ ٤٤٨) والطبري ١٢٠٨٥ وابن أبي عاصم في «الديات» ١٢٠.
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء، أبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال: ابن محمد الثوري. اهـ.
وعن عدي بن ثابت قال: هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى ديته فأبى أن يقبل حتى أعطي ثلاثا.
فقال رجل: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق» أخرجه أبو يعلى ٦٨٦٩ وابن أبي عاصم في «الديات» ٣١٠.
وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠٨٠٠: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان، وقد وثقه ابن حبان، وفيه ضعف اهـ.
وورد موقوفا بمعناه عن عدة من الصحابة راجع «تفسير الطبري» عن هذه الآية. ومع ذلك هي تشهد للمرفوع، فالحديث بهذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي.
(١) في المطبوع «منه».