وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ، يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرَهُمْ، لَمَّا ظَلَمُوا، كَفَرُوا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً، أَيْ أَجَلًا، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ لِمَهْلِكِهِمْ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّمْلِ [٤٩] «مهلك» أي وقت هَلَاكِهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: لِإِهْلَاكِهِمْ.
قَوْلُهُ تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا:
إِنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا مِنْ أَوْلَادِ يُوسُفَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
«١٣٦٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا الحميدي ثنا سفيان ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذِبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ ما فقدت الحوت فهو ثمة، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، حَتَّى إِذَا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُوتِ جَرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ من الغد، فلما جاوزا قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أمره الله بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، وَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغ نطلبه، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قَالَ:
رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السلام، فقال له: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [١]، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى علم من علم اللَّهِ عَلَّمَنِيهُ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ علمكه اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ، فَقَالَ مُوسَى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ على

١٣٦٤- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن الحميدي.
- الحميدي هو عبد الله بن الزبير، سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «صحيح البخاري»
٤٧٢٥ عن الحميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٢٢ و٣٢٧٨ و٣٤٠١ و٤٧٢٧ و٦٦٧٢ ومسلم ٢٣٨٠ وأبو داود ٤٧٠٧ والترمذي ٣١٤٩ والحميدي ٣٧١ وأحمد ٥/ ١١٧ و١١٨ وابن حبان ٦٢٢٠ والطبري ٢٣٢٠٨ من طرق عن سفيان به. مطوّلا ومختصرا.
- وأخرجه البخاري ٤٧٢٦ وأحمد ٥/ ١١٩ و١٢٠ من طريق ابن جريج عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار به.
- وأخرجه البخاري ٧٤ و٧٨ و٣٤٠٠ ومسلم ٢٣٨٠ ح ١٧٤ وأحمد ٥/ ١١٦ وابن حبان ١٠٢ والطبري ٢٣٢١٣ و٢٣٢١٤ من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عباس مختصرا. [.....]
(١) زيد في المطبوع في هذا الموضع وغيره زيادات متعددة ليست في المخطوط ولا في «صحيح البخاري» لذا أسقطتها.


الصفحة التالية
Icon