سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بغير نول، حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لم يفجأ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ، فَقَالَ له موسى: قوم قد حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟
قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عسرا، قال: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فكانت الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا»، قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ [اللَّهِ] [١] إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الخضر برأسه فاقتلعه بيده وقتله، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيفو هما، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض، قَالَ: كَانَ مَائِلًا، فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، إلى قوله: ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: ٧٨] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا من خبر هما» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا» وَكَانَ يَقْرَأُ «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ».
«١٣٦٥» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَامَ مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ وَلَّى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يرد العلم إِلَى الله [فأوحى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هو أعلم منك] [٢]، قال: يا رب وأين بمجمع البحرين، قال خذ حُوتًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ».
رَجَعْنَا إِلَى التَّفْسِيرِ قوله: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ، يُوشَعَ بْنِ نُونَ، لَا أَبْرَحُ، أَيْ لَا أَزَالُ أَسِيرُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ قَتَادَةُ: بَحْرِ فَارِسٍ وَبَحْرِ الرُّومِ، مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: طَنْجَةُ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: إفريقية. أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً، أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا [٣] وَزَمَانًا، وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ، وَالْحِقَبُ: جَمْعُ الْحِقْبِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَالْحِقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً، فَحَمَلَا خُبْزًا وَسَمَكَةً مَالِحَةً حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَيْلًا وَعِنْدَهَا عَيْنٌ تُسَمَّى مَاءُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ ذَلِكَ الْمَاءُ شيئا إلا حيي، فَلَمَّا أَصَابَ السَّمَكَةَ رُوحُ الْمَاءِ وَبَرْدُهُ اضْطَرَبَتْ فِي الْمِكْتَلِ وَعَاشَتْ ودخلت البحر.

١٣٦٥- صحيح. أخرجه البخاري ٤٧٢٦ وأحمد ٥/ ١١٩ و١٢٠ من طريق ابن جريج عن يعلى بن مسلم وعمرو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين في المطبوع «قيل بلى عبدنا الخضر».
(٣) زيد في المطبوع «وإن كان حقبا».


الصفحة التالية
Icon