قالَ، لَهُ الْخَضِرُ، إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَرَى أُمُورًا مُنْكَرَةً، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الْمُنْكَرَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ عُذْرَهُ فِي تَرْكِ الصَّبْرِ:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٨ الى ٧١]
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)
فقال له: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨)، أَيْ عِلْمًا.
قالَ [له] [١] مُوسَى، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً، [و] إِنَّمَا اسْتَثْنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، أَيْ لَا أُخَالِفُكَ فيما تأمرني.
قالَ، الخضر، فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي، فَإِنْ صَحِبْتَنِي وَلَمْ يَقُلْ اتَّبِعْنِي وَلَكِنْ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ شرطا فقال، فَلا تَسْئَلْنِي، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ [وقرأ] [٢] الآخرون بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، عَنْ شَيْءٍ [أعلمه فيما تنكره و [لا] تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ] [٣]، حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، حتى ابتدأ لَكَ بِذِكْرِهِ فَأُبَيِّنُ لَكَ شَأْنَهُ.
فَانْطَلَقا، يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ يَطْلُبَانِ سَفِينَةً يَرْكَبَانِهَا فَوَجَدَا سَفِينَةً فَرَكِبَاهَا، فَقَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ هَؤُلَاءِ لُصُوصٌ وَأَمَرُوهُمَا [٤] بِالْخُرُوجِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ: مَا هُمْ بِلُصُوصٍ وَلَكِنِّي أَرَى [وجوههم] [٥] وُجُوهَ الْأَنْبِيَاءِ.
«١٣٦٨» وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: «مَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا لَجَّجُوا الْبَحْرَ أَخَذَ الْخَضِرُ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا مِنَ السفينة» فذلك قوله: حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ، لَهُ مُوسَى، أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «لِيَغْرَقَ» بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الرَّاءِ، «أَهْلُهَا» بِالرَّفْعِ عَلَى اللُّزُومِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَرَفْعِهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ «أَهْلَهَا» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْخَضِرِ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أَيْ مُنْكَرًا، وَالْإِمْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدَّاهِيَةُ، وَأَصْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، يُقَالُ: أَمِرَ الْقَوْمُ إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ إِمْراً أَيْ عَجَبًا. وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ لَمْ يَدْخُلْهَا الْمَاءُ. وَرُوِيَ أَنَّ موسى لما رأى ذلك [من الخضر] [٦] أَخَذَ ثَوْبَهُ فَحَشَّى بِهِ الْخَرْقَ. وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ أَخَذَ قَدَحًا من زجاج [٧] ورقع به خرق السفينة.

١٣٦٨- هو بعض الحديث المتقدم برقم: ١٣٦٤.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «و».
(٣) العبارة في المخطوط «أعلمه مِمَّا تُنْكِرُهُ وَلَا تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ».
(٤) في المطبوع «وأمرهما».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «الزجاج».


الصفحة التالية
Icon