«١٢١٠» وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ»، قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ، لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الرَّحْمَنَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مَعْرِفَتَهُ، هُوَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، اعْتَمَدْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ، أي: توبتي ومرجعي.
قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ، الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ جَلَسُوا خَلْفَ الْكَعْبَةِ وَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ فَسَيِّرْ جِبَالَ مَكَّةَ بِالْقُرْآنِ فَأَذْهِبْهَا عنا حتى تنفسخ فَإِنَّهَا أَرْضٌ ضَيِّقَةٌ لِمَزَارِعِنَا، وَاجْعَلْ لَنَا فِيهَا عُيُونًا وَأَنْهَارًا لِنَغْرِسَ فِيهَا الْأَشْجَارَ وَنَزْرَعَ، وَنَتَّخِذَ الْبَسَاتِينَ فَلَسْتَ كَمَا زَعَمْتَ بِأَهْوَنَ عَلَى ربك من داوود عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ سَخَّرَ لَهُ الْجِبَالَ تُسَبِّحُ مَعَهُ، أَوْ سَخِّرْ لَنَا الرِّيحَ فَنَرْكَبَهَا إِلَى الشَّامِ لَمِيرَتِنَا وَحَوَائِجِنَا وَنَرْجِعَ فِي يَوْمِنَا فَقَدْ سُخِّرَتِ الرِّيحُ لِسُلَيْمَانَ كَمَا زَعَمْتَ، وَلَسْتَ بِأَهْوَنَ عَلَى رَبِّكَ من سليمان أو أحيي لَنَا جَدَّكَ قُصَيًّا أَوْ مَنْ شِئْتَ مِنْ آبَائِنَا وَمَوْتَانَا لِنَسْأَلَهُ عَنْ أَمْرِكَ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنَّ عِيسَى كَانَ يحي الْمَوْتَى وَلَسْتَ بِأَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [١] فَأُذْهِبَتْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ، أَيْ: شُقِّقَتْ فَجُعِلَتْ أَنْهَارًا وَعُيُونًا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ لَوْ فَقَالَ قَوْمٌ جَوَابُهُ محذوف اكتفاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مُرَادَهُ وَتَقْدِيرُهُ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ | سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا |
قال أكثر المفسرون: مَعْنَاهُ أَفَلَمْ يَعْلَمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هي لغة النخع. وقيل: هي لُغَةُ هَوَازِنَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ يَئِسْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ، وَلَكِنْ مَعْنَى الْعِلْمِ فِيهِ مُضْمَرٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سَمِعُوا هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ طَمِعُوا فِي أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ مَا سَأَلُوا فيؤمنوا فنزل: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي: الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مِنْ إِيمَانِ هؤلاء، أي ألم [٣] ييأسوا عِلْمًا وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا يَئِسَ مِنْ خِلَافِهِ، يَقُولُ: أَلَمْ يُيَئِّسْهُمُ الْعِلْمُ، أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا، مِنْ كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ قارِعَةٌ أي: نازلة
(١) انظر «الدر المنثور» ٤/ ١١٧- ١١٨ عند هذه الآية.
(٢) في المطبوع «الآخرون».
(٣) في المطبوع وط «لم».